للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتسلُّطُ الأعداءِ لم يكن من الشرق فحسب، بل من جهة الغرب أيضًا من النصارى الحاقدين، فبدأت الحروب الصليبية، واحتلوا بلدانًا إسلامية في الشام وفي مصر، حتى احتلوا بيت المقدس.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم الأعداء فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة وأخذوا الثغور الشامية شيئًا بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة، إلى أن تولى نور الدين الشهيد وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه، ثم استنجد به ملوك مصر بنو عبيد على النصارى فأنجدهم، وجرت فصول كثيرة إلى أن أُخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين" (١).

[٢ - الصليبيون الحاقدون من جهة المغرب.]

استمرت الفتوحات الإسلامية، واعتنى الخلفاء الراشدون بالجهاد في سبيل اللَّه، وكذلك خلفاء الدولة الأموية، والدولة العباسية، وانتشر الإسلام انتشارًا واسعًا في الشرق والغرب، وسقطت في وقت مبكر أكبر امبراطوريتين: الأكاسرة المجوس والقياصرة الرومان، وكان لذلك أكبر الأثر على الصليبيين، فخافوا منه خوفًا عظيمًا، ولم يستطيعوا أن يبدؤا المسلمين بأي غزو أو قتال.

لكن لما ضعفت الدولة العباسية، وكثرت الدول المستقلة عنها، وتسلط عليها الرافضة والقرامطة والباطنية، وأصبحت لهم دول كالدولة البويهية، والدولة العبيدية في المغرب ثم في مصر، ويتبع لها بعض دول الشام.

حينذاك بدأ الصليبيون بالعزيمة على غزو العالم الإسلامي.

فتزعمت البابويةُ الدعوةَ لتوحيد صفوف النصارى في الشرق والغرب وشنَّ حرب شاملة ضد المسلمين، وكسرَ شوكتهم، واستردادَ القدسَ من أيديهم.

والذي تولى كبرها والدعوة إليها هو البابا أوربان الثاني (٢)، فقد دعا للحملة الصليبية في عدة مدن أوربية، حيث كان يتنقل من مدينة إلى مدينة، وألقى عدة خطابات بهذا الشأن (٣).


(١) انظر: الفرقان بين الحق والباطل ضمن مجموع الفتاوي لابن تيمية (١٣/ ١٧٨).
(٢) أوربان الثاني فرنسي الأصل، وقد كان راهبًا ربيطًا بمدينة كلوني الفرنسية. انظر: الحروب الصليبية لمحمد العروسي (ص ٤٦).
(٣) انظر: الحملة الصليبية الأولى وفكرة الحروب الصليبية. جوناثان سميث (ص ٣٤) ترجمة محمد الشاعر.