للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- القول الثالث: التوقف في المسألة:

قال أبو إسماعيل الأنصاريُّ (١): سمعت يحيى بن عمَّار الواعظ (٢)، وقد سألته عن ابن حبَّان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحدَّ لله، فأخرجناه.

قال الذَّهبيُّ: إنكاركم عليه بدعة أيضًا، والخوض في ذلك ممَّا لم يأذن به الله، ولا أتى نَصٌّ بإثبات ذلك ولا بِنَفْيِهِ، وَمِنْ حُسْنِ إسلام المرء تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ، وَتَعَالَى اللهُ أن يُحَدَّ أو يُوصَفَ إلاَّ بما وَصَفَ به نَفْسَهُ، أو عَلَّمَهُ رُسُلَهُ بالمعنى الَّذي أراد، بلا مِثْلٍ ولا كَيْفٍ؛ ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] (٣).

وقال في ميزان الاعتدال: إنكاره الحدَّ وإثباتُكم للحدِّ نَوْعٌ من فضول الكلام، والسُّكوت عن الطَّرَفَيْنِ أولى؛ إذ لم يَأْتِ نَصٌّ بنفي ذلك ولا إثباته، والله تعالى ليس كمثله شيء، فمن أثبته قال له خصمه: جعلت لله حدًّا برأيك، ولا نَصَّ مَعَكَ بالحدِّ، والمحدود مخلوق، تعالى الله عن ذلك.

وقال هو للنَّافي: سَاوَيْتَ رَبَّكَ بالشَّيء المعدوم؛ إذ المعدوم لا حَدَّ له، فمن نزَّه الله وسكت سَلِمَ، وَتَابَعَ السَّلَفَ (٤).

- أدلة القول الأول:

أولاً: القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي


(١) عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، ستأتي ترجمته [٨٩٠].
(٢) يحيَى بنُ عَمَّارِ بنِ يَحْيَى بنِ عَمَّارِ بنِ العَنْبَسِ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الوَاعِظُ، شَيْخُ سِجِسْتَان، أَبُو زَكَرِيَّا الشَّيْبَانِيُّ تُوُفِّيَ بهَرَاة سنة (٤٢٢ هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٧/ ٤٨٣).
(٣) سير أعلام النبلاء، الذهبي (١٦/ ٩٨).
(٤) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي (٣/ ٥٠٧).