للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزوله خُلُوُّ العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النُّزول بأنَّه يَلْزَمُ مِنْهُ خُلُوُّ العرش (١).

قال أحمد بن محمَّد البَرْدَعِيُّ التَّميميُّ (٢): لَمَّا أشكل على مُسَدَّدِ بن مسرهد (٣) أَمْرُ السُّنَّة، وما وقع فيه النَّاس من القَدَر، والرَّفض، والاعتزال، والإرجاء، وَخَلْقِ القرآن، كتب إلى أحمد بن حنبل: أن أكتب إليَّ سُنَّةَ رسول الله فَكَتَبَ إليه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمَّا بعد .. ثمَّ ذكر فيها: وينزل الله إلى السَّماء الدُّنيا ولا يخلو منه العرش (٤).

وطعن بعضهم في هذه الرسالة وقالوا: راويها عن أحمد بن حنبل مجهول لا يعرف (٥)، فأجاب شيخ الإسلام: (هي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم، تلقوها بالقبول) (٦).

أدلة أصحاب هذا القول:

١ - أن العلو صفة ذاتية لله تعالى، فلا يكون دائما إلا عاليا، وأن خلو العرش يلزم منه أن يكون الرب ﷿ في وقت نزوله ليس عاليا.

٢ - أن كرسيه وسع السموات والأرض، قال تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: ٦٧] فمن هذه عظمته ﷿ كيف يحصره مخلوق، سماء أو غيرها، حتى يقال: إنه إذا نزل يخلو منه العرش، أو يصير


(١) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤١).
(٢) أحمد بن محمَّد البَرْدَعِيُّ مجهول، لا يعرف في أصحاب أحمد من اسمه أحمد بن محمَّد. ينظر: شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٤).
(٣) مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلٍ الأَسَدِيُّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ أَعْلَامِ الحَدِيْثِ. وُلِدَ سنة (١٥٠ هـ)، وتوفي سنة (٢٢٨ هـ). سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٩١).
(٤) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٤).
(٥) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٠)، وكتب د. عبد العزيز الحميدي دراسة عن رسالة مسدد، وشكك في نسبتها إليه، انظر: براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين (ص ١٠٠).
(٦) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٥٤).