للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشبهة الخامسة: أنه لو جاز خروج شيء هو تحت القدرة عن أن يكون له عليه قدرة بل ليس هو شيئًا واحدًا بل لعله أكثر من جميع الخلق، كيف نؤمن بوعده و وعيده؟ وكيف يطمئن السامع إلى ما وعده من البعث أن يكون؟ وما أخبر أنه لو شاء لخلق مثل الذي خلق؟ وهو لا يقدر على فعل بعوض فضلًا عن فعل هو أقوى منه (١).

الرد عليهم:

١ - أن إثبات قدرة مؤثرة للعبد لا يعني خروجه من تحت القدرة الإلهية، فكل الخلق تحت قدرة اللَّه ومشيئته، ومع أن العبد تحت القدرة الإلهية، فله قدرة تخصه وله فعله الذي شاءه واختاره، وقد أثبت له ذلك رب العالمين في كتابه المبين.

٢ - أن اللَّه تعالى نفي عن العبد انفرداه بالمشئية أو مشاركته للخالق في الخلق والفعل، وهذا معلوم بالضرورة، وليس في إثبات قدرة للعبد مؤثرة ما يدل على ذلك.

٢ - أنكم وقعتم في ما نفيتموه هنا، حيث زعمتم أن للعبد قدرة جزئية ليست تحت القدرة الإلهية، وكذلك زعمتم أن اللَّه لا يحلق فعل العبد إلا إذا أراده العبد، وقولكم هذا فيه إثبات وجود قدرة للعبدة خارجة عن القدرة الإلهية، أو لها تأثير في القدرة الإلهية، وهذا من أبطل الباطل، ومعاذ اللَّه واللَّه أكبر وأجل وأعظم وأعز أن يكون في عبده شيء غير مخلوق له ولا هو داخل تحت قدرته ومشيئته، فما قَدَرَ اللَّهَ حق قدره من زعم ذلك، ولا عرفه حق معرفته ولا عظَّمه حق تعظيمه، بل العبد جسمُهُ وروحُهُ وصفاتُهُ وأفعالُهُ ودواعيه وكلُّ ذرةٍ فيه مخلوقٌ للَّه خلقًا تصرف به في عبده، وقدرة العبد وإرادته ودواعيه جزء من أجزاء سبب الفعل، غير مستقل بإيجاده، ومع ذلك فهذا الجزء مخلوق للَّه فيه، فهو عبد مخلوق من كل وجه وبكل اعتبار، وفقرُهُ إلى خالقه وبارئه من لوازم ذاته، وقلبُه بيد خالقه وبين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء، فيجعلُهُ مريدًا لما شاء وقوعه منه كارهًا لما لم يشأ وقوعه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (٢).


(١) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣٢).
(٢) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ١٤٤).