للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشبهة السادسة: أن العالم لا يخلو من الأعراض والأجسام، وكل أنواع الأعراض أمكن في الحقيقة أن تكون فعلًا لغيره، فيكون العالَم للَّه وخلقه من طريق الإنشاء والوجود، وفي ذلك بطلان القول بوحدانية صانع العالم (١).

الرد عليهم:

١ - أن إثبات قدرة العبد على فعله وتأثيره فيه لا يعني مشاركته للخالق في فعله بخلق الأعراض، فمثلًا: الإنسان إذا كتب بالقلم وضرب بالعصا ونجر بالقدوم هل يكون القلم شريكه أو يضاف إليه شيء من نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصلح أن تلغي أثره وتقطع خبره، وتجعل وجوده كعدمه؟ أم يقال: به فعل وبه صنع؟ وللَّه المثل الأعلى.

فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله، وهو محتاج إليها لا يتمكن إلا بها، واللَّه سبحانه خلق الأسباب ومسبباتها، وجعل خلق البعض شرطًا وسببًا في خلق غيره، وهو مع ذلك غني عن الاشتراط والتسبب ونظم بعضها ببعض، لكن لحكمة تتعلق بالأسباب وتعود إليها واللَّه عزيز حكيم (٢).

٢ - أن العبد بجملته مخلوق له جسمه وروحه وصفاته وأفعاله وأحواله فهو مخلوق من جميع الوجوه وخلق على نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله وتلك النشأة بمشيئة اللَّه وقدرته وتكوينه فهو الذي خلقه وكونه كذلك وهو لم يجعل نفسه كذلك بل خالقه وباريه جعله محدثًا لإرادته وأفعاله وبذلك أمره ونهاه وأقام عليه حجته وعرضه للثواب والعقاب فأمره بما هو متمكن من إحداثه ونهاه عما هو متمكن من تركه ورتب ثوابه وعقابه على هذه الأفعال والتروك التي مكنه منها وأقدره عليها وناطها به وفطر خلقه على مدحه وذمه عليها مؤمنهم وكافرهم المقر بالشرائع منهم والجاحد لها فكان مريدًا شائيًا بمشيئة اللَّه له ولولا مشيئة اللَّه أن يكون شائيًا لكان أعجز وأضعف من أن يجعل نفسه شائيا فالرب سبحانه أعطاه مشيئة وقدره وإرادة وعرفه ما ينفعه وما يضره وأمره أن يجري مشيئته وإرادته وقدرته في الطريق التي يصل بها إلى غاية صلاحه (٣).

٣ - أن اللَّه تعالى يخلق الأشياء بالأسباب، وهذه سنة من سنن اللَّه تعالى، ومع ذلك لم يقل أحدٌ بأنها مشاركة للَّه تعالى في فعله أو في الخلق، وليس في ذلك ما زعمتموه من بطلان وحدانية اللَّه تعالى، ودليلنا قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [النحل: ٦٥] وقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)


(١) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣٣).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٣٩١) بتصرف يسير.
(٣) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ١٣٧ - ١٣٨).