للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقائل إذا قال: هذه التصرفات فعل اللَّه أو فعل العبد، فإن أراد بذلك أنها فعل اللَّه بمعنى المصدر فهذا باطل باتفاق المسلمين، وبصريح العقل، ولكن من قال هي فعل اللَّه وأراد به أنها مفعولة مخلوقة للَّه كسائر المخلوقات فهذا حق.

وأما من قال: خَلْقُ الربِّ تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته، قال: إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات، ومفعولة للرب كسائر المفعولات، ولم يقل: إنها نفس فعل الرب وخلقه، بل قال: إنها نفس فعل العبد، وعلى هذا تزول الشبهة، فإنه يقال: الكذب والظلم ونحو ذلك من القبائح يتصف بها من كانت فعلا له، كما يفعلها العبد، وتقوم به، ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له إذا كان قد جعلها صفة لغيره، كما أنه سبحانه لا يتصف بها خلقه في غيره من الطعوم والألوان والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك، فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعمًا مرًا أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح، لم يكن هو متصف بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة المكروهة والأفعال القبيحة، ومعنى قبحها كونها ضارة لفاعلها، وسببًا لذمه وعقابه، وجالبة لألمه وعذابه، وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به، لا على الخالق الذي خلقها فعلًا لغيره (١).

وبهذا يتبين انحراف المذهب الأشعري عن الحق وطريق السلف مذهب أهل السنة والجماعة، وقربه الشديد من مذهب الجبرية باعتراف عدد من أئمتهم، واللَّه الموفق.

* * *


(١) انظر: المصدر السابق لابن تيمية (٨/ ١٢١ - ١٢٣) بتصرف يسير.