للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الباقلاني: "لم ينكر اللَّه تعالى مسألة خلاف بني إسرائيل أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، ومسألة أسلافهم أن يروا اللَّه جهرة لاستحالة ذلك؛ وإنما أنكره لأنهم سألوا ذلك على طريق العناد لموسى ومحمد صلى اللَّه عليهما، والشك في نبوتهما، والتقدم بين أيديهما، والامتناع من فعل ما أوجب عليهم من الإيمان باللَّه ﷿، حتى يفعل ما يؤثرونه ويقتاتونه" (١).

ومما يبين ذلك ويوضحه أن اللَّه أكرم بني إسرائيل بكثير من الإكرام ونجاهم من كثير من الهلاك، وأنزل عليهم كثيرًا من الآيات، ومع ذلك لم يؤمنوا بذلك كله وطلبوا من موسى أن يروا اللَّه جهرة في الدنيا -مع علمهم بامتناع ذلك- عنادًا واستخفافًا.

قال الطبري: "فأعلم ربنا الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل، الذين كانوا على عهد رسول اللَّه أنهم لن يعدوا أن يكونوا -في تكذيبهم محمدًا وجحودهم نبوته، وتركهم الإقرار به وبما جاء به، مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره- كأسلافهم وآبائهم الذين قص اللَّه علينا قصصهم (٢).

أما الآية الثالثة: فيقال: أنهم سبق وأن طلبوا إنزال الملائكة ورؤية اللَّه تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] وهم طلبوا قبل ذلك وبعده كثيرًا من الآيات تعنتًا وعنادًا واستكبارًا واستخفافًا.

قال الزجاج: "فأعلَمَ اللَّه ﷿ أن الذين لا يوقنون بالبعث، ولا يرجون الثواب على الأعمال عند لقاء اللَّه طلبوا من الآيات ما لم يأت أمة من الأمم، فأعلم اللَّه ﷿ أنهم قد استكبروا في أنفسهم وعَتوا عُتوًا كبيرًا" (٣).

فتبين بهذا أنهم لم يطلبوا ذلك طلب عِلْمٍ لينتفعوا به ويزدادوا منه، وإنما كان ذلك سؤال تحدٍّ واستكبارٍ وعُتوٍّ؛ لأنهم طلبوا ذلك في الدنيا.

قال الواحدي: "وإنما وصفوا بالعتو عند طلب الرؤية؛ لأنهم طلبوها في الدنيا عنادًا للحق وإباءً على اللَّه ورسوله في طاعتهما" (٤).


(١) انظر: التمهيد للباقلاني (ص ٢٧٣).
(٢) انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم (٢/ ٣٠٥).
(٣) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ٦٣).
(٤) انظر: الوسيط للواحدي (٣/ ٣٣٨).