للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - عندما أقام سيف الدين الآمدي بدمشق واجه مصاعب، بسبب ميله للكلام والفلسفة، ومع إجلال ملوك الشام للعلماء إلا أنهم أبغضوه لذلك.

كان أولاد الملك العادل كلهم يكرهونه لما اشتهر عنه من الاشتغال بالمنطق وعلم الأوائل، وكان يدخل على المعظم -والمجلس غاص بأهله- فلم يتحرك له، فقلت له: قم له عوضا عني، فقال: ما يقبله قلبي. ومع ذلك ولاه تدريس العزيزية، فلما مات المعظم، أخرجه منها الأشرف، ونادي في المدارس: من ذكر غير التفسير والفقه أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته، فأقام السيف خاملًا في بيته قد طفئ أمره إلى أن مات، ودفن بقاسيون بتربته (١).

٣ - ما اشتهر به الملك العادل السلطان نور الدين محمود بن زنكي من تعظيم للعلم والعلماء، وإنشاء دار للحديث بدمشق، وهو أول من فعل ذلك .

قال ابن الأثير عنه: "كان يفعل بالعلماء من التعظيم والتوقير والاحترام، ويجمعهم عنده للبحث والنظر، فقصدوه من البلاد الشاسعة من خراسان وغيرها، وبنى بدمشق أيضًا دارًا للحديث، ووقف عليها وعلى من بها من المشتغلين بعلم الحديث وقوفًا كثيرة، وهو أول من بنى دارًا للحديث فيما علمناه، وكان مجلسه كما روي في صفة مجلس رسول اللَّه مجلس حلم وحياء لا تؤبن فيه الحُرُم، وهكذا كان مجلسه لا يُذكر فيه إلا العلم والدين وأحوال الصالحين، والمشورة في أمر الجهاد وقصد بلاد العدو، ولا يتعدى هذا" (٢).

٤ - عناية السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي بالعلم والرواية، وخاصة القرآن الكريم والحديث الشريف، فكان يحضر مجالس الرواية، ويعتني بها، ويحرص على الأسانيد العالية.

قال ابن شداد عنه: "وكان رحمه اللَّه تعالى يحب سماع القرآن العظيم ويستجيد إمامه ويشترط أن يكون عالمًا بعلم القرآن العظيم متقنًا لحفظه، وكان يستقرئ من يحرسه في الليل وهو في برجه الجزأين والثلاثة والأربعة وهو يسمع، وكان يستقرئ وهو في مجلسه العام من جرت عادته بذلك الآية والعشرين والزائد على ذلك، وكان شديد الرغبة في سماع الحديث ومتى سمع عن شيخ ذي رواية عالية وسماع كثير فإن كان ممن يحضر عنده استحضره وسمع عليه فأسمع من يحضره في ذلك المكان من أولاده وماليكه المختصين به وكان يأمر الناس بالجلوس عند سماع الحديث إجلالًا له. وإن كان ذلك الشيخ ممن لا يطرق أبواب السلاطين


(١) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (١٤/ ٥٠).
(٢) انظر: التاريخ الباهر لابن الأثير (ص ١٧١ - ١٧٣).