للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك لا كتاب ولا سنة، ولا قول أحد من السلف، بل الكلام في صفات اللَّه تعالى بنفي الجسم أو إثباته بدعة عند السلف والأئمة، فلا يوجد له ذكر في كلام أحد من السلف إلا بالإنكار على الخائضين في ذلك من النفاة، الذين نفوا ما جاءت به النصوص، والمشبهة الذين ردوا ما نفته النصوص (١).

٣ - أنهم متناقضون في نفي الجسمية والتشبيه، فمرة ينفونها، ومرة يثبتون وجودَ اللَّهِ بنوع من ذلك.

قال ابن القيم: "إن من أعجب العجب أن هؤلاء الذين فروا من القول بعلو اللَّه فوق المخلوقات واستوائه على عرشه -خشية التشبيه والتجسيم- قد اعترفوا بأنهم لا يمكنهم إثبات الصانع إلا بنوع من التشبيه والتمثيل، فيقال: ياللَّه العجب هلا طردتم هذا الجواب وسلكتم هذا الطريق في إثبات على اللَّه على خلقه واستوائه على عرشه وإثبات صفات كماله كلها وإثبات الصفات الخبرية كلها؟! " (٢).

٤ - أن اتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات، فالاتفاق في مسمى الشيء لا يقتضي التشبيه والتجسيم، فاللَّه تعالى موجود والإنسان موجود، والفرق بين وجود الخالق ووجود المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق.

قال ابن تيمية: "ليس للمطلق مسمَّي موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركًا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيّد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولا بدَّ من هذا في جميع أسماء اللَّه وصفاته، يُفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دلَّ عليه بالإضافة والاختصاص، المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه " (٣).

فللخالق جل وعلا صفات تخصه، وللمخلوق صفات تخصه، وإن اتفقت في الأسماء.

قال ابن تيمية: "الصفة تتبع الموصوف. فإن كان الموصوف هو الخالق فصفاته غير مخلوقة وإن كان الموصوف هو العبد المخلوق. فصفاته مخلوقة" (٤).

٥ - وأما ما زعموه من أن إثبات الصفات يستلزم الجسمية فيقال لهم: لفظ الجسم فيه إجمال: قد يراد به


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (١/ ٢٨٩ - ٢٩٠).
(٢) انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٤/ ١٣١٩ - ١٣٢١) باختصار.
(٣) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٢٠ - ٢٢).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٢/ ٦٦).