للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت، أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفَردة. واللَّه تعالى منزه عن ذلك كله.

وقد يراد بالجسم ما يشار إليه، أو ما يُرى، أو ما تقوم به الصفات؛ واللَّه تعالى يرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فإن أراد بقوله: "ليس بجسم" هذا المعنى. قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معني ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تُقم دليلًا على نفيه، وأما اللفظ فبدعة نفيًا وإثباتًا، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ "الجسم" في صفات اللَّه تعالى، لا نفيًا ولا إثباتًا (١).

٦ - أن منشأ غلطهم وضلالهم هو ما ابتدعوه من معنى الجسم على اختلاف فيما بينهم، مخالفًا لما هو ثابت معلوم في لغة العرب (٢).

قال ابن تيمية: "فلا يلزم من ثبوت الصفات لزوم ما ادعوه من المُحال، بل غلطوا في هذا التلازم، وأما ما هو لازم لا ريب فيه، فذاك يجب إثباته لا يجوز نفيه عن اللَّه تعالى، فكان غلطهم باستعمال لفظ مجمل" (٣).

٧ - أن القول بالتجسيم يلزمكم فيما أثبتموه من أسماء اللَّه تعالى، على مذهبكم وطريقتكم.

فيقال لهم: "هو عندكم: حي عليم قدير، ومع هذا فليس بجسم عندكم، مع أنكم لا تعلمون حيًا عليمًا قديرًا إلا جسمًا، فإن كان قولكم حقًا أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة، وأن يكون مباينًا للعالم عاليًا عليه وليس بجسم.

فإن قلت: لا أعقل مباينًا عاليًا إلا جسمًا. قيل لك: ولا يعقل حيٌّ عليمٌ قديرٌ إلا جسم، فإن أمكن أن يكون مسمى بهذه الأسماء ما ليس بجسم، أمكن أن يتصف بهذه الصفات ما ليس بجسم، وإلا فلا؛ لأن الاسم مستلزم للصفة" (٤).

٨ - أنكم حينما نفيتم صفات الباري ﷿ وزعمتم أنكم بذلك تنزهونه تعالى عن أن يكون جسمًا، لم تنفوا عنه في حقيقة الأمر شيء من النقائص، لأنه يلزمكم فيها أثبتموه نظير ما نفيتموه.


(١) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٢/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٢) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٥٣ - ٥٤).
(٣) انظر: شرح حديث النزول لابن تيمية (ص ٣٢).
(٤) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٣/ ١٤٦).