للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)[المطففين].

قال الرازي: "يجوز أن يكون المراد من الحجاب عدم الرؤية؛ وذلك لأن الحجاب يقتضي المنع من الرؤية، فكان إطلاق لفظ الحجاب على المنع من الرؤية: مجازة، من باب إطلاق السبب على المسبب" (١).

وقال الجرجاني: "ذكر ذلك تحقيرًا لشأنهم فلزم منه كون المؤمنين مبرئين عنه، فوجب أن لا يكونوا محجوبين عنه بل رائين له، وهذا المسلك أيضًا من الظواهر المفيدة للظن" (٢).

٣ - قوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)[الأنعام: ١٠٣].

قال الغزالي: "أي في الدنيا فإذا ارتفع الحجاب بالموت بقيت النفس ملوثة بكدورات الدنيا غير منفكة عنها بالكلية وإن كانت متفاوتة في ذلك التلوث فمنها ما تراكم عليها الخبث والصدأ فصارت كالمرآة التي قد فسد بطول تراكم الخبث جوهرها ولا تقبل الاصلاح والتصقيل وهؤلاء هم المحجوبون عن ربهم أبد الآباد، ووقت القيامة مجهول فعند ذلك يستعد بصفائه ونقائه من الكدورات حيث لا يرهق وجهه غبرة ولا قترة لأن يتجلى فيه الحق ، فيتجلى له تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى ما عليه كانكشاف تجلي المرئيات بالإضافة إلى ما تخيَّله، وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية، فإذا الرؤية حق بشرط أن لا تفهم من الرؤية استكمال الخيال في متخيل متصور مخصوص بجهة ومكان، فإن ذلك مما يتعالى عنه رب العالمين علوًا كبيرًا، بل كما عرفته في الدنيا معرفة حقيقية تامة من غير تصور وتخيل وتقدير شكل وصورة، فتراه في الآخرة كذلك، بل أقول المعرفة الحاصلة في الدنيا بعينها هي التي تستكمل فتبلغ كمال الانكشاف والوضوح وتنقلب مشاهدة، فلا يكون بين المشاهدة في الآخرة والمعلوم في الدنيا اختلاف إلا من حيث زيادة الكشف والوضوح، فإذا لم يكن في المعرفة إثبات صورة وجهة فلا يكون في استكمال المعرفة بعينها وترقيها في الوضوح إلى غاية الكشف أيضًا جهة وصورة؛ لأنها هي بعينها إلا في زيادة الكشف، كما أن الصورة المرئية هي المتخيلة بعينها إلا في زيادة الكشف، ولهذا لا يفوز بدرجة النظر والرؤية إلا العارفون في الدنيا؛ لأن المعرفة هي البِذرُ الذي ينقلب في الآخرة مشاهدة كما تنقلب النواة شجرة والبذور زرعا ومن لا نواة له فكيف يحصل له نخل فكذلك من لا يعرف اللَّه في الدنيا فكيف يراه في الآخرة" (٣).


(١) انظر: نفس المصدر (ص ٢١٠).
(٢) انظر: شرح المواقف للجرجاني (٨/ ١٥٠).
(٣) انظر: معارج القدس في مدارج معرفة النفس للغزالي (ص ١٥٧ - ١٥٩) باختصار.