للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الأدلة التي استدلوا بها من السنة النبوية:

حديث عمار بن ياسر حين سمع النبي يدعو بهذا الدعاء: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين" (١).

قال الغزالي: "لذة النظر إلى وجه اللَّه الكريم، هذه المعرفة وإن عظمت لذتها، فلا نسبة لها إلى لذة النظر إلى وجه اللَّه الكريم في الدار الآخرة، وذلك لا يتصور في الدنيا لسر. لا يمكن الآن كشفه، ولا ينبغي أن تفهم من النظر ما يفهمه العوام والمتكلمون، فيحتاج في تقديره إلى جهة ومقابلة، فلذلك من نظر من أقعده القصور في بحبوحة عالم الشهادة حتى لم يُجاوز المحسوسات التي هي مدركات البهائم، لكن ينبغي أن تفهم أن الحضرة الربوبية تنطبع صورتها وترتيبها العجيب على ما هو عليه من البهاء والعظمة والجلال والمجد في قلب العارف، كما تنطبع مثلا صورة العالم المحسوس في حواسك، فكأنك تنظر إليه وإن غمَّت عينيك، فإن فتحت العين، وجدت الصورة المبصرة مثل الصورة المتخيلة قبل فتح العين لا تخالفها في شيء، إلا أن الإبصار في غاية الوضوح بالنسبة إلى التخيُّل، وكذلك ينبغي أن تعلم أن في إدراك ما لا يدخل في الخيال والحس أيضًا في درجتين متفاوتين في الوضوح غاية التفاوت، ونسبة الثانية إلى الأولى كنسبة الإبصار إلى التخيُّل، فتكون الثانية غاية الكشف، فيُسمَّى لذلك مشاهدة ورؤية.

والرؤية لم تُسمَّ رؤيةً لأنها في العين؛ إذ لو خُلقت في الجبهة لكانت رؤية، بل لأنها غاية الكشف، فكما أن تغميض الأجفان حجاب عن غاية الكشف في المبُصر، فكدورة الشهوات وشواغل هذا القالب المُظلم حجاب عن غاية المشاهدة؛ ولذلك قال اللَّه تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] وقال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فإذا ارتفع هذا الحجاب بعد الموت انقلبت المعرفة بعينها مشاهدة، ويكون مشاهدة كل واحد على


(١) أخرجه النسائي (رقم ١٣٠٥) وابن حبان (رقم ١٩٧١) والطبراني في كتاب الدعاء (رقم ٦٢٤) وابن أبي عاصم في السنة (رقم ٤٢٥) وابن خزيمة في كتاب التوحيد (١/ ٢٩) والدارمي في الرد على الجهمية (رقم ١٨٨) وتمام الرازي في فوائده (٢/ ١٤٧ رقم ١٣٨٧) والدارقطني في كتاب رؤية اللَّه (رقم ١٥٨) والحاكم في المستدرك (رقم ١٩٢٣) وصححه، ووافقه الذهبي، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (٣/ ٥٤٠ رقم ٨٤٥) والبيهقي في الأسماء والصفات (رقم ٢٢٧).