للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ذلك العصر الذي عاش فيه ابن المحب حدث بعض الغلاء الشديد، وارتفعت الأسعار، وضاق بالناس الحال، إلى أن فرج الله بجلب القمح بأمر السلطان من مصر.

وفي سنة أربع وأربعين وسبعمائة حدثت الزلزلة العظمى العامة، فهدمت مدينة منبج إحدى بلاد الشام، وتهدمت منها أماكن بحلب، وغيرها، واستمرت على ذلك أياماً، وفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وكان عمر ابن المحب الصامت إذ ذاك سبعة وثلاثون سنة، عم البلاد الإسلامية الطاعون فكان يموت في دمشق في اليوم الواحد أربعمائة نفس (١).

وتفاقمت في تلك الفترة الخلافات العقائدية، يقول ابن كثير: " ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة، وفيها وقعت فتنة بين الحنابلة والشافعية ببعلبك بسبب العقائد، وترافعوا إلى دمشق، فحضروا بدار السعادة عند نائب السلطنة تنكز، فأصلح بينهم، وانفصل الحال على خير من غير محاققة ولا تشويش على أحد من الفريقين، وذلك يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم" (٢).

وعلى الرغم من انتشار العلوم الشريعة واعتناء المماليك بالنهضة العلمية، إلا أنه كان هناك ظهور للغناء داخل بيوت الله ﷿ على الوجه التعبدي بيد الصوفية، قال ابن القيم: "ومن أعظم المنكرات: تمكينهم (٣) من إقامة هذا الشعار الملعون (٤) هو وأهله في المسجد الأقصى، عشية عرفة، ويقيمونه أيضاً في مسجد الخَيْفِ أيام مِنَى، وقد أخرجناهم منه بالضرب والنفي مراراً، ورأيتهم يقيمون بالمسجد الحرام نفسه والناس في الطواف، فاستدعيتُ حِزْبَ الله وفرقنا شملهم، ورأيتهم يقيمون بعرفات، والناس في الدعاء والتضرع والابتهال والضجيج إلى الله، وهم في هذا السماع الملعون باليَرَاعِ (٥) والدُّفِّ والغناء، فإقرار هذه الطائفة على ذلك فسق يقدح في عدالة مَن أقرَّهم ومنصبه الديني" (٦).


(١) العبر في خبر من غبر (٤/ ١٣٠ - ١٥٠)، البداية والنهاية (١٨/ ١٢٣).
(٢) البداية والنهاية (١٨/ ١٤٩).
(٣) يعني: الصوفية.
(٤) يعني: الغناء.
(٥) اليَرَاعُ: وَاحِدَتُهُ يَرَاعَةٌ، وهو مِزْمارُ الرَّاعِي. لسان العرب (٨/ ٤١٣) مادَّة: يرع.
(٦) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (١/ ٢٣١).