للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ - حضر: وهم أهالي المدن والقرى الشامية، وقد اشتغلوا بالنشاط الاقتصادي من صناعة وتجارة وزراعة، وكان كل ما يطمعون به هو أن يليَ أمرَهم نائب عادل يُحسن معاملتهم ولا يحرمهم حقوقهم، ومن الواضح أن النشاط الاقتصادي الذي نهض به اخضر من أهل الشام تطلب نوعًا من الاستقرار والهدوء، مما جعلهم يجنحون إلى مسالمة المماليك ولا يحاولون الخروج عن طاعتهم أو المشاركة في الثورات التي اعتاد أن يقوم بها نواب الشام بين حين وآخر، وبخاصة عند قيام سلطان جديد بمصر.

ب - البدو: وقد تألفوا من العشائر المنتشرة في بادية الشام، وكان لكل عشيرة أفخاذها وبطونها، ونتيجة للحروب التي كانت تعصف بالشام فقد كان أولئك البدو يحالفون التتار مرة والمماليك مرة أخرى، لينجوا بأنفسهم وقومهم من سطوة المنتصر منهم، مع أنهم مخطئون في ولائهم للتتار الكفار. هذا بالإضافة إلى وجود العصبيات العنصرية ببلاد الشام والتي كان لها تأثر كبير: كالأكراد والتركمان والأرمن، وكذلك وجود العصبيات الدينية والمذهبية والتي كان لها دور كبير في الأحداث التي شهدتها بلاد الشام (١).

وكانت مصر والشام تنعم بالأمن والأرزاق في كثير من الأحيان، لما يتحلى به السلاطين والملوك من الفضل والبر والإحسان.

وكانت أيام الملك الأشرف شعبان -المذكور- بهجة، وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنّة، والخيرات كثيرة، على غلاء وقع في أيامه بالديار المصرية والبلاد الشامية، ومع هذا لم يختلّ من أحوال مصر شيء لحسن تدبيره، ومشي سوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن ونفقت في أيامه البضائع الكاسدة من الفنون والملح، وقصدته أربابها من الأقطار، وهو لا يَكلُّ من الاحسان إليهم في شيء يريده وشيء لا يريده، حتى كلّمه بعض خواصه في ذلك، فقال : أفعل هذا لئلا تموت الفنون في دولتي وأيامي" (٢).

ومع ذلك فقد حصل في بعض الأزمان أحوال قاسية جدًا، ففي عام ٧١٨ هـ حصل في بعض بلدان العراق قلة الأمطار، وغلاء الأسعار، وجور الكفار، وزوال النعم، وحلول النقم.

قال ابن كثير: "ووصلت الأخبار في المحرم من بلاد الجزيرة وبلاد الشرق بغلاء عظيم، وفناء شديد، وقلة الأمطار، وجور التتار، وعدم الأقوات، وغلاء الأسعار، وقلة النفقات، وزوال النعم، وحلول النقم،


(١) انظر: المصدر السابق (ص ٣١٢ - ٣١٤).
(٢) انظر: النجوم الزاهرة لأبي المحاسن (١١/ ٨٢).