للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحيث إنهم أكلوا ما وجدوه من الجمادات، والحيوانات، والميتات، وباعوا حتى أولادهم وأهاليهم، فبيع الولد بخمسين درهما وأقل من ذلك، حتى إن كثيرًا من الناس كانوا لا يشترون من أولاد المسلمين تأثمًا، وكانت المرأة تصرح بأنها نصرانية، ليُشتري منها ولدُها لتنتفع بثمنه، ويحصل لها من يطعمه فيعيش، وتأمن عليه من الهلاك، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون" (١).

وفي عام ٧٢٥ هـ في شهر جمادى الأولى حصل في بغداد هلاك عظيم بسبب الغرق المهول الذي وقع بها، وأفنى كثيرًا من الناس.

قال الذهبي: "في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار، وعمل في سد السكور كل أحدٍ، ودثرت الحواضر، وغرق أممٌ من الفلاحين، وعظمت الاستغاثة باللَّه، ودام خمس ليال، وعملت سكورة فوق الأسوار، ولولا ذلك لغرق جميع البلد، وليس الخبر كالعيان، وقيل: تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت، ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع، ووقف بإذن اللَّه، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صح هذا عندنا، وجر السيل أخشابًا كبارًا، وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل، ولما نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كطعم القثاء" (٢).

وفي عام ٧٤٩ هـ حصل طاعون عامٌّ ووباءٌ شديدٌ أدى لموت كثير من الناس، وبقيت النعوش تنتظر أيامًا لكي تُدفن، وذلك لكثرة الأموات.

قال ابن كثير: "وتواترت الأخبار بوقوع الوباء في أطراف البلاد، وكذا وقع بغزة أمر عظيم في أوائل هذه السنة. وقد جاءت مطالعة نائب غزة إلى نائب دمشق أنه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو من بضعة عشر ألفا، وقرئ "البخاري" في ربعة يوم الجمعة بعد الصلاة سابع ربيع الأول في هذه السنة، وحضر القضاة، وجماعة من الناس، وقرأت بعد ذلك المقرئون، ودعا الناس برفع الوباء عن البلاد، وذلك أن الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض في السواحل، وغيرها من أرجاء البلاد - يتوهمون ويخافون من وقوعه بمدينة دمشق حماها اللَّه وسلمها، مع أنه قد بلغهم أنه قد مات جماعة من أهلها بهذا الداء. . .وفي هذا الشهر أيضًا كثر الموت في الناس بأمراض الطواعين، وزاد الأموات في كل يوم على المائة، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وإذا وقع


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٨/ ١٧٥).
(٢) انظر: العبر في خبر من غبر للذهبي (٤/ ٧١ - ٧٢).