للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أهل بيت لا يكاد يخرج منه حتى يموت أكثرهم، ولكنه بالنظر إلى كثرة أهل البلد قليل، وقد توفي في هذه الأيام من هذا الشهر خلق كثير، وجم غفير، ولا سيما من النساء فإن الموت فيهن أكثر من الرجال بكثير كثير، وشرع الخطيب في القنوت في سائر الصلوات، والدعاء برفع الوباء من المغرب ليلة الجمعة سادس شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وحصل للناس بذلك خضوع، وخشوع، وتضرع، وإنابة، وكثرت الأموات في هذا الشهر جدًا، وزادوا على المائتين في كل يوم، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وتضاعف عدد الموتى منهم، وتعطلت مصالح الناس، وتأخرت الموتى عن إخراجهم، وزاد ضمان الموتى جدًا، فتضرر الناس ولا سيما الصعاليك؛ فإنه يؤخذ على الميت شيء كثير جدًا، فرسم نائب السلطنة بإبطال ضمان النعوش، والمغسلين، والحمالين، ونودي بأبطال ذلك في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الآخر، ووقفت نعوش كثيرة في أرجاء البلد، واتسع الناس بذلك، ولكن كثرت الموتى، فاللَّه المتسعان، وفي يوم الاثنين الثالث والعشرين منه نودي في البلد أن يصوم الناس ثلاثة أيام، وأن يخرجوا في اليوم الرابع، وهو يوم الجمعة إلى عند مسجد القدم يتضرعون إلى اللَّه، ويسألونه في رفع الوباء عنهم، فصام أكثر الناس، ونام الناس في الجامع، وأحيوا الليل كما يفعلون في شهر رمضان، فلما أصبح الناس يوم الجمعة السابع والعشرين منه، خرج الناس من كل فج عميق إلى الصحراء، واليهود والنصارى، والسامرة، والشيوخ، والعجائز، والصبيان، والفقراء، والأمراء، والكبراء، والقضاة، من بعد صلاة الصبح، فما زالوا هنالك يدعون اللَّه تعالى حتى تعالى النهار جدًا، وكان يومًا مشهودًا" (١).

وقال ابن الوردي: "وسمي طاعون الأنساب وهو سادس طاعون وقع في الإسلام" (٢).

وقال أبو المحاسن: "كان الوباء العظيم. . . وعمّ الدنيا حتى دخل إلى مكّة المشرّفة، ثم عمّ شرق الأرض وغربها، فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى" (٣).

وفي عام ٧٦٢ هـ في أول شهر صفر منه حصل فيضان النيل وتسبب في حصول مستنقعات كثيرة أدت إلى فناء كثير من الناس حتى هرب السلطان خارج البلد خشية الموت.

قال ابن كثير: "في أول صفر اشتهر فيه وتواتر خبر الفناء الذي بالديار المصرية، بسبب كثرة المستنقعات من فيض النيل عندهم، على خلاف المعتاد، فبلغنا أنه يموت من أهلها كل يوم فوق الألفين، فأما


(١) انظر: المصدر السابق (١٨/ ٥٠٢ - ٥٠٤).
(٢) انظر: تاريخ ابن الوردي (٢/ ٣٤٠).
(٣) انظر: النجوم الزاهرة لأبي المحاسن (١٠/ ٢٣٣).