للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرض فكثير جدًا، وغلت الأسعار؛ لقلة من يتعاطى الأشغال، وغلا السكر والمياه والفاكهة جدًا، وتبرز السلطان إلى ظاهر البلد، وحصل له تشويش أيضًا ثم عوفي بحمد اللَّه" (١).

وقال أبو المحاسن: "ومات في هذا الوباء جماعة كثيرة من الأعيان وغيرهم، وأكثرهم كان لا يتجاوز مرضه أربعة أيام إلى خمسة، ومن جاوز ذلك يطول مرضه، وهذا الوباء يقال له: الوباء الوَسَطيّ أعني بين وباءين" (٢).

ما أن تعافي الناس من شر هذا الوباء إِلا وهجم عليهم الجراد بعد ثلاث سنين وذلك في عام ٧٦٥ هـ، فأفنى محاصيلهم الزراعية، ووقع الغلاء، وحصل الفناء، وكثر البكاء، وزاد الهم والعناء، وفُقِدَ كثيرٌ من الأصحاب والأصدقاء، وقلَّت الثمار، وغلت الأسعار.

قال ابن كثير: "وفي العشر الأول من رجب وجد جراد كثير منتشر، ثم تزايد، وتراكم، وتضاعف، وتفاقم الأمر بسببه، وسد الأرض كثرة، وعاث يمينا وشمالا، وأفسد شيئًا كثيرًا من الكروم، والمقاثي، والزروعات التنفيسة، وأتلف للناس شيئًا كثيرًا، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون. . . وعدم للناس غلات كثيرة، وأشياء من أنواع الزروع؛ بسبب كثرة الجراد، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وفي هذا الشهر كثر الوباء والفناء في الناس، وبلغت العدة إلى السبعين، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون. . . وكثر الجراد في البساتين، وعظم الخطب بسببه، وأتلف شيئًا كثيرًا من الغلات، والثمار، والخضراوات، وغلت الأسعار، وقلت الثمار، وارتفعت قيم الأشياء. . . واستهل شوان والجراد قد أتلف شيئًا كثيرًا من البلاد، ورعي الخضراوات، والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار، واستمر الفناء، وكثر الضجيج والبكاء، وفقدنا كثيرًا من الأصحاب والأصدقاء" (٣). وهذا ما قضاه اللَّه وقدره، فلا مهرب ولا مفر منه، والأمر للَّه من قبله ومن بعده.

* * *


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٨/ ١٧٥).
(٢) انظر: النجوم الزاهرة لأبي المحاسن (١٠/ ٣١١).
(٣) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٨/ ٦٨٨ - ٦٩١) باختصار.