٣ - أن يقال لهم: القول في بعض الصفات كالقول في بعض:
فإن كان المخاطب ممن يقرّ بأن اللَّه حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة. ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازًا، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات.
قيل له: لا فرق بين ما نفيتَه وبين ما أثبتَّه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر.
فإن قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل.
وإن قلت: له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به.
قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.
وإن قال: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام.
قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة.
فإن قلت: هذه إرادة المخلوق.
قيل لك: وهذا غضب المخلوق.
وكذلك يُلْزَم بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفي عن الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك ما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات.
وإن قال: إنه لا حقيقة هذا إلا ما يختص بالمخلوقين فيجب نفيه عنه.
قيل له: وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
فهذا المُفرِّق بين بعض الصفات وبعض، يقال له فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته.
فإذا قال المعتزلي: ليس له إرادة ولا كلام قائم به، لأن هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات، فإنه يُبَيِّن للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم، ولا تكون كصفات المحدثات.
فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك (١).
(١) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٣١ - ٣٣).