للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحاب مالك والشافعي وأحمد مثل: ابن عقيل (١) وابن الجوزي (٢) وغيرهما يقولون: إن الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، وقد جعلوا أفعال العباد فعلا للَّه، والفعل عندهم هو المفعول، فامتنع عندهم مع هذا أن يكون فعلا للعبد كيلا يكون فعل واحد له فاعلان.

وأما الجمهور فيقولون: أنه مخلوق للَّه مفعول له، وهي فعل العبد قائمة به، وليست فعلًا للَّه قائمة به، بل مفعولة له غير فعله، والرب تعالى لا يوصف بها هو مخلوق له، وإنما يوصف بها هو قائم به، فلم نلزم هؤلاء أن يكون الرب ظالمًا وإنما أولئك، فإذا قالوا: أنه يوصف بالمخلوق المنفصل عنه فُسمي ظالمًا وعادلًا لوجود مخلوق منفصل عنه خلقه، فإنهم ألزموهم أن يكون ظالمًا خلقه ظلمًا منفصلًا عنه؛ إذ كانوا لا يفرقون فيها انفصل عنه بين ما يكون صفة لغيره وفعلًا له، وبين ما لا يكون؛ إذ الجميع عندهم نسبته واحدة إلى قدرته ومشيئته وخلقه، وهؤلاء يلزمهم أن لا يكون الأفعال العباد فاعل لا الرب ولا العبد، أما العبد فإنها وإن قامت به الأفعال فإنه غير فاعل لها عندهم، وأما الرب فعندهم لم يقم به فعل لا هذه ولا غيرها، والفاعل والمفعول من قام به الفعل، كما أن المتكلم المفعول من قام به الكلام، والمريد المفعول من قامت به الإرادة، والحي والعالم والقادر من قامت به الحياة والعلم والقدرة.

والذين يقولون: الخلق غير المخلوق لهم قولان: هل يخلق بفعل واحد قديم يوجد به جميع المفعولات؟ أم هو يُوجُد المفعولات بأفعال متعاقبة كما قال تعالى: ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦]؟ على قولين. ومن قال بالثاني قال: إن المؤثر التام يستلزم الأثر التام وإلا لزم الترجيح بلا مرجح؛ فإن الفاعل إذا كان قبل حدوث المفعول وحين


(١) أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد البغدادي الظفري المقرئ الفقيه الأصولي الواعظ المتكلم، أبو الوفاء، أحد الأئمة الأعلام، وشيح الإسلام، ولد سنة ٤٣١ هـ في جمادى الآخرة، تأثر بالمعتزلة وتتلمذ على بعضهم، ثم أعلن توبته المشهورة من ذلك، وبقي في أقواله شيء من ذلك، توفي ثاني عشر جمادى الأولى سنة ٥١٣ هـ. انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (١/ ٣١٦) وانظر: آراء أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي في مسائل التوحيد "عرض ودراسة" رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة. إعداد: أيمن بن سعود العنقري ١٤٢٥ هـ.
(٢) جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه المعروف بابن الجوري، شيخ وقته، وإمام عصره، ولد سنة ٥٠٨ هـ، نظر في جميع الفنون، وألف فيها. وكانت أكثر علومه يستفيدها من الكتب، ولم يُحكم ممارسة أهلها فيها، له ميل إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك. وكلامه في ذلك مضطرب مختلف، وهو وإن كان مطلعا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيرا بحل شبهة المتكلمين، وبيان فسادها. وكان معظما لأبي الوفاء بن عقيل يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه وإن كان قد رد عليه في بعض المسائل. وكان ابن عقيل بارعا في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون، توفي سنة ٥٩٧ هـ. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (٢/ ٤٨٥).