للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَجَلٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ أَرْبَعِينَ (١)، يَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: "تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (٢)، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي بَعْضِهِ الرُّوحُ ذَهَبَ لِيَجْلِسَ فَقَالَ اللهُ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]، فَلَمَّا تَبَالَغَ (٣) فِيهِ الرُّوحُ عَطَسَ، فَقَالَ اللهُ لَهُ: قُلِ الْحَمْدُ للهِ. فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ. فَقَالَ اللهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ. ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْمَجْلِسِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ. فَفَعَلَ، فَقَالَ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدَيْهِ فَأَخْرَجَ فِيهِمَا مَنْ هُوَ خَالِقٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَتَيْنِ (٤) ثُمَّ قَالَ: اخْتَرْ يَا آدَمُ. قَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ يَمِينَكَ يَا رَبِّ، وَكِلْتَا يَدَيْكَ يَمِينٌ. فَبَسَطَهُمَا فَإِذَا فِيهِمَا ذُرِّيَّتُهُ، قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا رَبِّ؟ قَالَ: هُمْ مَنْ قَضَيْتُ أَنْ أَخْلُقَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. فَإِذَا فِيهِمْ مَنْ لَهُ وَبِيصٌ (٥) قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ: فَمَنْ هَذَا الَّذِي لَهُ فَضْلُ وَبِيصٍ؟ قَالَ: هُوَ ابْنُكَ دَاوُدُ. قَالَ: وَكَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: فَكَمْ عُمْرِي؟ قَالَ: أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: زِدْهُ يَا رَبِّ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَة، قَالَ: إِنْ شِئْتَ. قَالَ: فَقَدْ شِئْتُ، قَالَ: إِذًا تَكْتُبُ ثُمَّ تَخْتِمُ، ثُمَّ لَا يُبَدَّلُ. / [١٠٩/ب] ثُمَّ رَأَى فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ ﷿ مِنْهُمْ آخَرَ، لَهُ فَضْلُ وَبِيصٍ، قَالَ: فَمَنْ هَذَا يَا رَبُّ؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هُوَ آخِرُهُمْ، وَأَوَّلُهُمْ أُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.

فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ نَفْسَهُ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ (٦) سَنَةً!! قَالَ: أَوَلَمْ تَكُنْ وَهَبْتَهَا لِابْنِكَ


(١) في الشريعة للآجري: "أَرْبَعِينَ يَوْمًا".
(٢) كذا، والذي في سورة [المؤمنون: ١٤]: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، بالفاء.
(٣) (تَبَالَغَ) كذا في الأصل والإبانة، وأما في القدر والشريعة: "تَتَابَعَ".
وتَبَالَغَ: من البلوغ، وهو الوصول إلى الشيء، يقال: تَبَالَغَ الدِّبَاغُ فِي الجِلْدِ: انْتَهَى فيهِ. ويُسَمَّى الإشراف والاقتراب من الوصول بلوغاً. لسان العرب (٨/ ٤٢٠) مادَّة: بلغ.

فيكون المعنى والله أعلم: أنَّ الرُّوحَ عندما أوشكت واقتربت من الوصول والاستقرار في مكانها، عَطَسَ آدَمُ .
(٤) كذا، والذي في القدر والشريعة والإبانة: "ثُمَّ قَبَضَ يَدَيْهِ".
(٥) الْوَبِيصُ: البَرِيقُ. وَقَدْ وَبَصَ الشَّيءُ يَبِصُ وَبِيصاً. النهاية (٥/ ١٤٦).
(٦) (أَرْبَعِينَ) كذا، والمثبت في القدر والشريعة والإبانة كالجادة: "أَرْبَعُونَ".