للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتبوع المطاع المعظم الذي له جنود يتبعون أمره، وليس لأحد جنود يطيعونه كطاعة الملائكة لربهم، وهو خالقهم وربهم فهو سبحانه العالم بما توسوس به نفسه وملائكته تعلم فكان لفظ نحن هنا هو المناسب" (١).

٧ - وأما قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)[الحديد] فهذه الأسماء الثابتة للَّه تعالى تدل على معان عظيمة تليق بجلال اللَّه وعظمته، وليس فيها حجة لكم، وقد فسرها النبي أحسن تفسير وبيَّنها أتم بيان. فقد روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر" (٢).

قال الطبري: "قوله تعالى ذكره: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾ قبل كل شيء بغير حد ﴿وَالْآخِرُ﴾ يقول: والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها كما قال جلّ ثناؤه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وقوله: ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه وهو العائلي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول اللَّه، وقال به أهل التأويل" (٣).

قال ابن تيمية: "وهذا نص في أن اللَّه ليس فوقه شيء، وكونه الظاهر صفة لازمة له مثل كونه الأول والآخر، وكذلك الباطن، فلا يزال ظاهرة ليس فوقه شيء، ولا يزال باطنًا ليس دونه شيء، وأيضًا، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)[الزمر: ٦٧]. فمن هذه عظمته يمتنع أن يحصره شيء من مخلوقاته، وعن النبي في تفسير هذه الآية أحاديث صحيحة اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها، وتلقيها بالقبول والتصديق" (٤).


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٦/ ٣٥ - ٣٦).
(٢) أخرجه مسلم (رقم ٢٧١٣) والإمام أحمد (رقم ٨٩٦٠ و ١٠٩٢٤) وأبو داود (رقم ٥٠٥١) والترمذي (رقم ٣٤٠٠) وابن ماجه (رقم ٣٨٧٣).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢٣/ ١٦٨).
(٤) انظر: شرح حديث النزول لابن تيمية (١٩٠ - ١٩١) باختصار.