للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدماء في الأزقة، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي (١)، وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانا بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم. وعادت بغداد بعدما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها أحد إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة. . . وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين، فقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف. وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس. . وقُتل الخطباء والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد. . ولما انقضى أمد الأمر المقدور، وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر، فتغيرت صورهم، وأنتنت البلد من جيفهم، وتغير الهواء، فحصل بسببه الوباء الشديد، حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون" (٢). وكان دخولهم بغداد في العشرين من محرم (٣).

قال ابن كثير: "وما زال السيف يقتل أهلها أربعين صباحًا، وكان قتل الخليفة المستعصم باللَّه أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر، وعفا قبره، وكان عمره يومئذ ستًا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام" (٤). وكانت هذه الفتنة العظيمة التي حلت بالمسلمين بسبب الرافضة الحاقدين، وسعيهم لهدم الخلافة والقضاء على الإسلام والمسلمين.

قال الذهبي: "كان وزير العراق مؤيّد الدين ابن العَلْقمي رافضيًا جَلْدًة خبيثًا داهيةً، والفتن في استعارٍ بين السّنّة والرّافضة حتّى تجالدوا بالسّيوف، وقُتِل جماعة من الرّوافض ونُهِبوا، وشكا أهل باب البصرة إلى


(١) محمد بن محمد بن علي بن أبي طالب الوزير الكبير، المدير المبير مؤيد الدين ابن العلقمي البغدادي، الشيعي الرافضي، وزير الخليفة الإمام المستعصم باللَّه، ولي وزارة العراق أربع عشرة سنة، فأظهر الرفض قليلًا، وكان في قلبه غل على الإسلام وأهله، فأخذ يكاتب التتار، ويتخذ عندهم يدا ليتمكن من أغراضه الملعونة. وهو الذي جرأ هولاكو وقوي عزمه على المجيء، وقرر معه لنفسه أمورا انعكست عليه، وندم حيث لا ينفعه الندم، وولي الوزارة للتتار على بغداد مشاركا لغيره، ثم مرض ولم تطل مدته، ومات غمها وغبنا، فواغبناه كونه مات موتا حتف أنفه، وما ذاك إلا ليدخر له النكال في الآخرة. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٣/ ٨٤١ - ٨٤٣).
(٢) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٣٥٩ - ٣٦٢).
(٣) انظر: المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء الأيوبي (٣/ ١٩٣).
(٤) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٣٦١).