وإثباتًا من زمن هشام بن الحكم وأبي الهذيل العلاف فإن أبا الهذيل ونحوه من قدماء المعتزلة نفوا الجسم لما سلكوا من القياس، فعارضهم هشام وأثبت الجسم لما سلكوه من القياس، واعتقد الأولون إحالة ثبوته، واعتقد هذا إحالة نفيه، وتارة يجمعون بين النصوص والقياس بجمع يظهر فيه الإحالة والتناقض. فما أعلم أحدًا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة إلا ولا بد أن يتناقض فيحيل ما أوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره إذ كلامهم من عند غير اللَّه وقد قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء: ٨٢] والصواب ما عليه أئمة الهدى وهو أن يوصف اللَّه بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث، ويَتَّبعَ في ذلك سبيل السلف الماضين أهل العلم والإيمان، والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يعرض عنها فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صما وعميانا ولا يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني" (١).