للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ [لِلَّهِ] صَاحِبَةٌ، وَلا وَلَدٌ، مَاذَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبوا فَيَتَساقَطونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ يَعبد اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يُجْلِسُكُمْ، قَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: قَدْ فَارَقنَاهُمْ، وَهُمْ أَحْوَجُ إِلَيْنَا مِنَّا إِلَيْهِمُ اليَوْمَ، وَإنَّا سمَعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي يَقولُ: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ تَبَارَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، لا يُكَلِّمُهُ إِلَّا نَبِي، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالجسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا: يَا رَسولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: "مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيب، وَحَسَكَةٌ (١) مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكٌ عُقَيْفَاءُ (٢)، تَكونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَان، فَيَمُرُ المؤْمِنُونَ كَالطَّرْفِ وَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيلِ وَالرَّكبِ، فَنَاجٍ مُسَلِّمٌ، وَمَخدُوشٍ مُسَلَّمٌ، وَمُكَرْدَسٍ فِي جَهَنَّمَ، يَمُرَّ آخِرُهُمْ فَيُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ المؤْمِنِينَ إنْ رَأَوْا أَنَّهمْ قَدْ نَجَوْا، وَبَقِيَ إِخْوَانِهِمْ، فَيَقولُونَ: يَا رَبِّنَا إِخْوَانُنَا، يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقولُ اللَّهُ: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوه، وَيُحَرِّمُ اللهُ عَلَى النَّارِ صخوَرَهُمْ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَإلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ النَّارِ ثُمَّ يَعُودُونَ الثَّانِيَة، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوه، فَيخْرِجونَ مَنْ عَرَفوا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا، يَقُولُ اللهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ [النساء: ٤٠]، "فَيَشْفعُ الملائِكَةُ وَالنَّبِيّونَ وَالمؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ : لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ الجَبَّارُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا (٣)، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، أَوْ جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهمُ اللُّؤْلُؤ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيم، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ اللهُ


(١) حسكة، وهي شوكة صلبة معروفة. انظر: النهاية لابن الأثير (١/ ٣٨٦).
(٢) العقيفاء: نبتة ورقها مثل ورق السذاب لها زهرة حمراء وثمرة عقفاء كأنها شص فيها حب، وهي تقتل الشاء ولا تضر الإبل. انظر: لسان العرب (٩/ ٢٥٤).
(٣) أي احترقوا. والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. انظر: النهاية لابن الأثير (٤/ ٣٠٢).