• قلتُ [أي: ابن المحب]: "هذه الحجة التي ذكرها هو وغيره على أن النفس ليست بجسم قد نقضها عليهم شيخنا أبو العباس وبين فسادها بكلام مُفصَّلٍ مبسوطٍ ليس هذا موضع حكايته".
فمنه:"أن قولهم: "العلم بما لا ينقسم لا ينقسم". كلام لا حقيقة له؛ إذ حاصله أن العلم بما لا اختيار فيه، وما لا اختيار فيه لا يُعلم، بل لا يوجد، فلا يُتصور أن يقوم علمه بمحلٍّ أصلًا، وإنما مدار حجتهم على إثبات موجود لا اختيار فيه، كما أثبتوا جُزءًا لا ينقسم أو يقبل الانقسام إلى غير نهاية.
فما ادَّعوهُ من الجزء والانقسام المحصور الذي هو فصلُ بعضهِ عن بعض کما نفوه من الانقسام الذي يُعني به إمكان تعلق العلم والإدراك ببعضه دون بعض، فلا ذلك المثبت له تلك القسمة له وجود، ولا هذا المنفي عنه هذه القسمة له وجود، بل كل موجود ثبتت له هذه المناسبة والقيام بالنفس الذي سَمَّوه انقسامًا، وليس في الموجودات ما ينفصل بعضه عن بعض حتى ينتهي إلى جزئهم، أو ينقسم دائمًا، وأما ما ذكروه من أن النفس يقوم بها العلم بالأمور الكلية كالإنسانية والجسمية التي لا توجد إلا في الأذهان، والكلي المجرد عن جميع الأمور الشخصية، فلو كان محله جسمًا لكان له مقدار معين، فيقال لهم: إن كانت هذه الحجة صحيحة فيلزم أن تكون النفس أمرًا كليًا لا يتعين ولا يتميز عن غيره، ولا له وجود خارجي يتخصص به، وهذا في الحقيقة قول بعدم النفس وتعطيل لها، لأن كل موجود فلا بد له من تعين يتخصص به في الخارج، فحجتهم هذه توجب عدم النفس من حيث ظنوا تجريدها، كما أن احتجاجهم على تنزيه الباري يوجب تعطيله حيث يجعلونه الوجود المطلق الذي لا يتعين، وذلك يمتنع وجوده في الخارج، وذلك لأنهم إذا قالوا: النفس يقوم بها أمور كلية، وجعلوا المحل كالحال في ذلك لزم أن تكون النفس كلية، وإن لم يجعلوا المحل كالحال بطلت الحجة"