للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل لإسحاق بن راهويه: قَوْلُ الله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] كيف تقول فيه؟ قال: وحيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه، قال حرب: قلت لإسحاق بن راهويه: العرش بحدٍّ؟ قال: نعم (١).

وقال الإمام أبو سعيد الدَّارِمِيُّ: أنَّ الله تعالى له حَدٌّ لا يعلمه أَحَدٌ غَيْرُهُ، ولا يجوز لأحد أن يتوهَّم لحدِّه في نفسه، ولكن يؤمن بالحدِّ، وَيَكِلُ عِلْمَ ذلك إلى الله؛ فهو على عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، فَهَذَانِ حَدَّانِ اثْنَانِ (٢).

وقال ابن بَطَّة: الجهميَّة تجحد أنَّ لله عرشًا، وقالوا: لا نقول: إنَّ الله على العرش؛ لأنَّه أعظم من العرش، ومتى اعترفنا أنَّه على العرش، فقد حَدَدْنَاهُ، وقد خَلَتْ مِنْهُ أماكن كثيرة غير العرش، فَرَدُّوا نَصَّ التَّنزيل، وكذَّبوا أخبار الرَّسول ، قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وقال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: ٥٩]، وقال: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧]، وجاءت الأخبار وصحيح الآثار من جهة النَّقل عن أهل العدالة وأئمَّة المسلمين عن المصطفى مِنْ ذِكْرِ العرش ما لا يُنْكِرُهُ إلاَّ المُلْحِدَةُ الضَّالَّةُ (٣).

وقال: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا يَأْبَى ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرْهُ إِلَّا مَنِ انْتَحَلَ مَذَاهِبَ الْحُلُولِيَّةِ، وَهُمْ قَوْمٌ زَاغَتْ قُلُوبُهُمْ، وَاسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَمَرَقُوا مِنَ الدِّينِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ ذَاتَهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ، فَقَالُوا: إِنَّهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ بِذَاتِهِ حَالٌّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ (٤).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأمَّا الحدُّ المركَّب من الجنس والفصل، فلا يجوز في حقِّ الله


(١) الإبانة الكبرى، لابن بطة (٧/ ١٥٨).
(٢) نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله ﷿ من التوحيد، أبو سعيد الدارمي (١/ ٢٢٤).
(٣) الإبانة الكبرى، لابن بطة (٧/ ١٦٨).
(٤) الإبانة الكبرى لابن بطة (٧/ ١٣٦)