للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن فورك: فالمعنى إظهار إجابته، والإنعام عليه، وابتداؤه بالكرم والرحمة (١).

وقال المازَري: الضَّحك من الله محمول على إظهار الرِّضا والقبول؛ إذ الضحك في البشر علامة على ذلك. ويقال: ضحكت الأرض، إذا ظهر نباتها. وفي بعض الحديث «فَيَبْعَثُ الله سحاباً فَيَضْحَكُ أحْسَن الضَّحِكِ» فجعل انجلاءه كل البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنَّه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضَّحك مجازاً (٢).

وقال الطيِّبي: الضحك من الله محمول على غاية الرضا والرأفة، فالمعنى أنه تعالى يتجلى لهم ضاحكاً، أي راضياً عنهم متعطفاً عليهم؛ لأن الملك إذا نظر إلى بعض رعيته بعين الرضا، لا يدع من إنعام وإكرام إلا فعل في حقه (٣).

وقال القاضي عياض: الضَّحك في البشر أمر اختصُّوا به، وحالة تغيُّر أوجبها سرور القلب، فتنبسط له عروق القلب، فيجرق الدَّم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم فينفتح، وهو التَّجسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سروره قَهْقَهَ، والتَّغيُّرات وأوصاف الحَدَثِ منفيَّة عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصَّحيحة بإضافة الضَّحك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضا بفعل عبده، ومحبَّته للقائه، وإظهار نعمه وفضله عليه، وإيجابها له. وقد حملوه أيضًا على التَّجلِّي للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتَّى يراه، والضَّحك يعبَّر به عن الظُّهور (٤).

- الدليل الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا


(١) مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (ص ٤٧٧).
(٢) المُعْلم بفوائد مسلم، المازري (١/ ٣٣٩).
(٣) شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، الطيبي (٤/ ١٢٠٦)
(٤) إكمال المُعْلم بفوائد مسلم (١/ ٥٥٨).