للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن رضوان لم يقنع بهذا الصلح، على رغم قبوله به، فهو يريد أن يكون مَلِكَ الشام الوحيد، فقبل بالدعوة الباطنية من رسول الدولة العبيدية بأن يقطع الدعوة للخليفة العباسي ويدعوا للمستنصر باللَّه العبيدي (١) حاكم مصر ويدخل في طاعته، على أن يُمدوه بالمال والسلاح لكي يستولي على دمشق (٢).

وكان ذلك سببًا لانتشار الباطنية في حلب واشتداد شوكتهم، وكان أمر الباطنية قد قوي بحلب في أيامه، وتابعهم خلق كثير على مذهبهم طلبًا لجاههم، وصار كل من أراد أن يحمي نفسه من قتل أو ضيم التجأ إليهم (٣).

وفي هذا الوقت بسبب التناحر والاقتتال والتنافس على السلطة تمكن الفرنج (٤) الصليبيون ولأول مرة من احتلال أنطاكية.

قال أبو شامة: "وفي مدة تلك الحروب ظهرت الفرنج بالساحل وملكوا أنطاكية أولًا ثم غيرها من البلاد" (٥).

وقال ابن الوردي: "مَلَكَ الفرنج عكا بالسيف بعد قتال شديد، وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة. . . هذا وملوك الشام مشتغلون بقتال بعضهم بعضا" (٦).

وقال ابن الأثير: "استطال الفرنج -خذلهم اللَّه تعالى- بما ملكوه من بلاد الإسلام، واتفق لهم اشتغال عساكر الإسلام وملوكه بقتال بعضهم بعضًا، تفرقت حينئذ بالمسلمين الآراء، واختلفت الأهواء، وتمزقت الأموال" (٧).


(١) المستنصر باللَّه، أبو تميم معدّ بن الظاهر علي العبيدي الرافضي، صاحب مصر، وكانت أيامه ٦٠ سنة وأربعة أشهر، وقد خطب له ببغداد، في سنة ٤٥١ هـ، ومات في ذي الحجة، عن ٦٨ سنة. عام ٤٨٧ هـ العبر للذهبي (٢/ ٣٥٦).
(٢) انظر: تاريخ دمشق لابن القلانسي (ص ٢١٧).
(٣) انظر: زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم (ص ٢٥٩).
(٤) انظر: العبر للذهبي (٢/ ٣٩٦).
(٥) انظر: عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة (١/ ١٠١).
(٦) انظر: تاريخ ابن الوردي (٢/ ١٤) باختصار.
(٧) انظر: الكامل لابن الأثير (٨/ ٤٩٧).