للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي صفة ذاتيةٌ فعليةٌ باعتبارين، فإنه باعتبار أصلها صفةٌ ذاتيةٌ، لأنَّ الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبارآحاد الكلام صفةٌ فعليةٌ، لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)[سورة يس: ٨٢] (١).

* ومن اعتقاد السَّلف في كلام الله تعالى أنَّه بصوت، وقد قامت الدَّلائل القواطع على إثباته، وهو كسائر صفاته تعالى، كما أنها لا تشبه صفات المخلوقين، فصوته تعالى لا يشبه أصواتهم.

وقد عنون الإمام بابًا بعنوان (ذكر الصَّوت) وذكر فيه الأدلة على إثبات كلام الله تعالى بصوت منها:

١ - حديث أبي سعيد الخدري :

قال رسول الله : "يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُك أَنْ تخرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ" (٢).

٢ - حديث عبد الله بن أُنيس الأنصاري :

قال: سمعت رسول الله يقول: "يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ"، أَوْ قال: "يَحْشُرُ اللهُ النَّاسَ"، قال: وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا، قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ قال: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ"، قال: "فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَن قَرُبَ: أَنَا الملِكُ أَنَا الدَّيَّانُ" (٣).

وهذا الحديث صريح في إثبات كلام الرَّبِّ تعالى بصوتٍ، وقد احتجَّ به على ذلك إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال: "وإنَّ اللهَ ﷿ يُنادي بِصَوتٍ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، فَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ اللهِ جلَّ ذِكْرُه، وقي هذا دليل أنَّ صَوْتَ اللهِ لا يُشْبِهُ أصْواتَ الخَلْق، لأنَّ صَوْت الله جلَّ ذكره يُسْمَع مِنْ بُعْدٍ كما يُسْمَعُ مِن قُرْبٍ .. " (٤).


(١) ابن عثيمين في "القواعد المثلي" (ص ٢٥).
(٢) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (٧٤٨٣)، وسيأتي في قسم التحقيق برقم (٦٥٧).
(٣) أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب باب قوْلِ اللهِ: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ (٩/ ١٤١)، وسيأتي في قسم التحقيق برقم (٦٦٧).
(٤) البخاري "خلق أفعال العباد" (١٤٩).