للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(في أثناء ذلك تواترت أخبار إلى القاهرة عن انتصار العثمانيين وتقدمهم باتجاه مصر بعد أن ضموا كامل بلاد الشام، فاشتد الهلع في القاهرة، وفكر كثير من الناس بالهرب إلى الصعيد، وللأسف لم يقدر المماليك حرج الموقف وصعوبته، فاشترطوا على السلطان أن يمنحهم نفقات باهظة حتى يخرجوا إلى الحرب، وتوسل إليهم وهو يحضهم على الخروج … ونتيجة لإلحاح السلطان وحثه المماليك على الخروج، غادرت القاهرة حملة عسكرية بقيادة جان بردي الغزالي متوجهة إلى غزة، ولما رأى أن المدينة سقطت بأيدي العثمانيين ارتد على أعقابه) (١).

تكررت المصائب على الناس، وانتشر الرعب واليأس والخوف خاصة وأن الأمراء مشتتون.

وأخيرًا تقدم العثمانيون نحو القاهرة، وانهزمت الدولة بسهولة نتيجة لضعف المعنويات وعدم التوحد وجمع الكلمة.

ودخل العثمانيون مدينة القاهرة.

ولقد عمرت دولة المماليك الجراكسة أكثر من مائة وأربعة وثلاثين سنة تعاقب على عرش السلطنة ثلاثة وعشرون سلطان منهم تسعة حكموا مائة وثلاثة سنوات ارتبط بهم تاريخ دولة المماليك الجراكسة بينما حكم أربعة عشر سلطانا لمدة تسع سنوات فقط (٢). وهؤلاء السلاطين التسعة هم:

الظاهر برقوق، وفرج بن برقوق، والمؤيد شيخ وبرسباي، وجقمق، وأينال، وخاشقدم، وقايتباى، وقانصوه الغوري.

أما أهم إيجابيات هذا العصر فتمثلت في وقوفهم سدًا منيعًا لصد هجمات التتار والصليبين، والحفاظ على راية الإسلام رغم كثرة الأعداء.

وكذلك ازدهار الحركة العلمية والاهتمام بالعلماء وظهور المؤلفات العلمية في تلك البلاد نتيجة لما أصاب العراق على أيدي المغول.

ولقد عاش ابن المحب معظم حياته في عهد السلطان الناصر محمد بن الملك المنصور، وهو آخر عهد الاستقرار السياسي في دولة المماليك البحرية.


(١) المصدر السابق (ص: ٤٧٨).
(٢) انظر: (مصر والشام في عصر الأيوبين والمماليك لابن عاشور ص: ٢٣٠، ٢٢٩).