للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطبقة الأولى، والذهبي الوسطى، والبرزالي الأخيرة، يعني كمشايخ عصره ومن فوقهم بقليل ومن بعدهم، ومن اطلع على معجم البرزالي حقق ذلك، وفيه يقول الذهبي فيما أنبؤنا عنه:

إن رُمْتَ تَفتيشَ الخزائنِ كُلِّها … وظهورَ أجزاءٍ حَوتْ وعَوالي

ونُعوتَ أشياخِ الوجودِ وما رَووا … طَالعْ أو اسمعْ مُعجم البِرزالي (١)

وقال الذهبي: "كان رأسًا في صدق اللهجة والأمانة، صاحب سنة واتباع ولزوم للفرائض، خيرًا متواضعًا، حسن البشر عديم الشر، فصيح القراءة قوي الدرية، عالمًا بالأسماء والألفاظ، سريع السرد مع عدم اللحن والدمج، قرأ ما لا يوصف كثرة وروى من ذلك جملة وافرة، وكان حليمًا صبورًا مترددًا، لا يتكثر بفضائله ولا ينتقص بفاضل، بل يوفيه فوق حقه، ويلاطف النَّاس، وله ود في القلوب وحب في الصدور، وله إجازات عالية، وكان حلو المحاضرة قوي المذاكرة، عارفًا بالرجال والكبار لا سيما أهل زمانه وشيوخهم يتقن ما يقوله، ولم يخلف في معناه مثله ولا عمل أحد في الطلب عمله، وفي عام وفاته توفي بين الحرمين محرما وغبطه النَّاس بذلك، وكان باذلًا لكتبه وأجزائه، سمحًا في أموره مؤثرًا متصدقًا رحومًا مشهورًا في الآفاق، مقصدًا لمن يلتمس ساعه، وكان هو الذي حَبَّبَ إلي طلب الحديث؛ فإنه رأى خطي فقال: خطك يشبه خط المحدثين، فأثَّرَ قوله فيَّ، وسمعتُ وتخرجتُ به في أشياء، وما أظن الزمان يسمح بوجود مثله، فعند ذلك نحتسب مصابنا بمثله، ولقد حزن الجماعة خصوصًا رفيقه أبو الحجاج شيخنا، وبكى عليه غير مرة، وكان كل منها يعظم الآخر ويعرف له فضله، وولي بعده مشيخة الثورية شيخنا المزي" (٢).

وقال ابن كثير: "كان له خط حسن وخلق حسن، وهو مشكور عند القضاة ومشايخ أهل العلم، سمعت العلامة ابن تيمية يقول: نَقْلُ البرزاني نَقرٌ في حَجر. وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه، وكان شيخ الحديث بالنورية، فيها وقف كتبه، وكان قارئ الحديث بدار الحديث الأشرفية على المزي، ومن قبله كابن الشريشي، وكان يعيد في الجامع وغيره، وعلى كراسي الحديث، وكان متواضعًا محببًا إلى النَّاس، متوددًا إليهم، توفي عن أربع وسبعين سنة، " (٣).


(١) انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي (ص ١١٩ - ١٢٠).
(٢) انظر: ثلاث تراجم للذهبي (ص ٣٧ - ٤١).
(٣) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٨/ ٤١٣).