للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن كثير: "وقد اشترى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس داره، وبناها مدرسة ودار حديث وتربة، وبها قبره، وذلك في حدود سنة سبعين وستمائة" (١).

وبعد وفاة الملك الظاهر بيبرس ، أُكمل بناؤها وذلك في يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة ٦٧٦ هـ، ونُقل إلى تربتها جثمانه (٢).

وقد درَّس في هذه الدار كثير من الأئمة والعلماء، منهم الإمام الذهبي، والإمام ابن كثير، وغيرهم.

وقد بقيت هذه الدار إلى العصور المتأخرة، بعد أن توقفت الدروس فيها، وجعلت دارًا للكتب ليستفيد منها العلماء وطلبة العلم والباحثون.

قال عبد القادر بن بدران: "هذه المدرسة باقية إلى الآن وهي مشهورة معروفة، وبابها بناؤه من العجائب، يدخل منه إلى ساحتها فيكون عن يمين الداخل التربة الظاهرية، وهي في قبة شاهقة في الهواء، وجدرانها من الرخام الأبيض والأسود، مزخرفة بالفسيفساء، وفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف غيرت بلاطتها وبركتها الكبيرة، وأبدل ذلك بطراز لطيف، وبالجملة فلم يبق في داخلها من البناء الأول إِلا الجهة القبلية وأما الباقي فقد غير وجعل مدرسة لصغار الطالبة سُميت باسم "نموذج الترقي" وفي سنة ست وتسعين ومائتين وألف كان المرحوم مدحت باشا واليا على سورية، فاهتم بإنشاء المكاتب ثم علم أن دمشق كان بها ما لا يعد من خزائن الكتب الموقوفة على المشتغلين بالعلم فمدت إليها أيدي المختلسين بالنهب والبيع، حتى لم يبق منها إِلا النزر القليل؛ فخاف على الباقي من الضياع، فكتب إلى مقر السلطنة بذلك كتابًا يقول فيه: "لما كانت الكتب الموقوفة والمشروطة لاستفادة العموم قد حصرت بأيدي المتولين وحرمت الناس من مطالعتها كان من اللازم جمعها وجعلها في مكان مخصوص ليكون الانتفاع بها عامًا" فصدر له الأمر بذلك في اليوم الخامس عشر من شباط سنة خمس وتسعين ومائتين وألف رومية الموافقة للتاريخ المذكور، وأعطي القرار من طرف مجلس الإدارة على ذلك، وجمعت الكتب الموجودة من عشر خزائن. . . ثم جُعل مقرُّ تلك الكتب كلها في تربة الملك الظاهر في المدرسة المذكورة، لمتانتها ولياقتها لتلك الغاية، وطبع دفتر بأسماء الكتب، وعَيَّن الوالي لها محافظين، لكل واحد منهما مائتي قرش في الشهر، وبوابًا بخمسين قرشًا، والمكتبة المذكورة مفتوحة الباب للمطالعين، وزاد أهل الخير في كتبها ما هو قريب من الأصل" (٣).


(١) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٥/ ٣٩٣).
(٢) انظر: نفس المصدر لابن كثير (١٧/ ٥٣٦).
(٣) انظر: منادمة الأطلال ومسامرة الخيال لابن بدران (ص ١١٩ - ١٢١).