للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عالمًا، مفتيًا مناظرًا، ذا سمتٍ ووقار، وكان كثير المحفوظ، حجة صدوقًا، كثير الاحتمال، تام المروءة، لم يكن في المقادسة أفصح منه، واتفقت الألسنة على شكره، وشهرته وفضله، وما كان عليه يغني عن الإطناب في ذكره، حدث البخاري بدمشق وحمص، وسمع منه جماعة، وروى عنه أخوه الضياء الحافظ، وولده الفخر، توفي ليلة الخميس خامس جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وقيل: توفي ليلة الجمعة خامس عشر من الشهر المذكور (١).

١٦ - فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي، المقدسي الصالحي، الفقيه المحدث المعمر، مسند الدنيا، ابن الشيخ شمس الدين البخاري المتقدم، وعمه الحافظ الضياء، ولد في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، أو أول سنة ست وسبعين، سمع بدمشق والقدس والاسكندرية، وحمص، وبغداد، وتفرد بالرواية عن جماعة، وقرأ بنفسه، وسمع كثيرًا من الكتب الكبار والأجزاء، واستجاز له عمه الحافظ الضياء من خلق، وتفرد في الدنيا بالرواية العالية، وتفقه على الشيخ موفق الدين، وقرأ عليه المقنع، وأذن له في إقرائه، وقرأ مقدمة في النحو، وصار محدث الإسلام وراويته، روى الحديث فوق ستين سنة وسمع منه الأئمة الحفاظ المتقدمون، وقد ماتوا قبله بدهر، وخرج له عمه الحافظ ضياء الدين جزءًا من عواليه، وحدث كثيرًا، وكان شيخًا عالمًا فقيهًا، زاهدًا عابدًا، مسندًا مكثرًا، وقورًا، صبورًا على قراءة الحديث، مكرمًا للطلبة، ملازمًا لبيته، مواظبًا على العبادة، ألحق الأحفاد بالأجداد، وحدث نحوًا من ستين سنة، وتفرد بالرواية عن شيوخ كثيرة. وانتهت إليه الرياسة في الرواية، وقصده المحدثون من الأقطار، وكان يحفظ كثيرًا من الأحاديث وألفاظها المشكلة، وكثيرًا من الحكايات والنوادر، ويرد على من يقرأ عليه مواضع، يدل رده على فضل ومطالعة ومعرفة، وكان فقيهًا عارفًا بالمذهب، فصيحًا، صادق اللهجة، يرد على الطلبة، مع الورع والتقوى، والسكينة والجلالة، وهو أحد المشايخ الأكابر، والأعيان الأماثل، من بيت العلم والحديث، ولا يُعلم أن أحدًا حصل له من الحظوة في الرواية في تلك الأزمان مثل ما حصل له، قال ابن تيمية: "ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين رسول اللَّه في حديث" (٢).

قال الذهبي: "وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي ثمانية رجال ثقات".


(١) انظر: بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (٢/ ١٠١١ - ١٠١٢) والتاريخ للذهبي (١٤/ ٤٧٢) وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (٣/ ٣٥٤ - ٣٥٦) والمقصد الأرشد لابن مفلح (١/ ١٢٩ - ١٣٠).
(٢) انظر: العبر للذهبي (٣/ ٣٧٣ - ٣٧٤) وذيل الطبقات لابن رجب (٤/ ٢٤١ - ٢٤٩) وذيل التقييد للفاسي (٢/ ١٧٨).