للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التذكرة في الضعفاء فأفاد، وخرج للمزي أربعين حديثًا متباينة المتن والإسناد، وكان يطوف كثيرًا على المكاتب فيسمع الأطفال قصدًا للانتفاع، وبذلك حصل لنا منه الإجازة والسماع، وفيه بعض دعابة وله نظم تقبله الأسماع، وكان ذا قدم علمًا وزهدًا بثبوته فيهما ورسوخه، وحدَّث كثيرًا فسمع منه خلق حتى بعض شيوخه، وأول من أخذ عنه فيما أعلمه شيخه العلامة الحافظ المقدَّم أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عبد الهادي، سمع في سنة ثلاثين وسبعمائة جزءًا تامًا، فكان بين أول تحديثه ووفاته تسعة وخمسون عامًا" (١).

وقال الإمام الحافظ ابن الجزري: "شيخنا وإمامنا ومبرزنا الحافظ الكبير، شمس الدين أبو بكر ابن الحافظ محب الدين أبي محمد الشهير بابن المحب الصامت. . .بادر به أبوه. . .ثم سمع الكثير بإفادة والده، ثم قرأ بنفسه فسمع ما لا يحد ولا يوصف من الكتب والأجزاء، وخرّج وأفاد وسمع منه الطلبة والحفاظ. . .وسمع كثيرًا من كتب القراءات. . .وحدثني بكثير من مسموعاته، وقرأت عليه كثيرًا وسمعت، وكان لا يكلم أحدًا فلذلك قيل له: الصامت، وكان صالحًا قانتًا قانعًا باليسير متقشفًا لا يألف لأحد غيري، ربما جاءني إلى منزلي فأسمعني وأسمع أهلي وأولادي، وانتهى إليه الحفظ في زمانه، رجالًا ومتنًا، ومعرفة الأجزاء ورواتها. . .ومن نظمي فيه:

شيخي إمامٌ حافظٌ حجةٌ … ذو ورعٍ حَبرٍ رَضيٍّ قانتِ

محدثِ الآفاقِ مَعْ صمتهِ … فاعجبْ لهذا المحدثِ الصامتِ (٢)

وقال الإمام الحافظ يوسف بن عبد الهادي: "الشيخ الإمام العالم الزاهد العابد، العلامة النبيل، المحدث الأصيل، الحافظ الكبير، المسند، عمدة الحفاظ شيخ المحدثين، شمس الدين أبو بكر محمد بن الشيخ الإمام الحافظ القدوة محب الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن المحب عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد اللَّه بن إسماعيل بن عبد الرحمن المقدسي ثم الصالحي الحنبلي الشهير بالصامت بالصالحية، لُقِّبَ بذلك لكثرة سكوته عن فضول الكلام، وكان يكره أن يُدعي بهذا أو يُلقَّبَ به بين الناس. . .أسمعه والده صغيرًا، وأُخبرتُ أن ثبته الذي كتبه والده بأسماء الكتب التي أسمعه إياها في مجلدين. قلت: بل هي أكثر من ذلك؛ فإن خط والده على الأجزاء والكتب لا يمكن استقصاؤه: "وقل جزءٌ إلا وعليه خطه، وقل ما عليه خطه ولم يُسمعه إياه، بل أكثرها سمعه ولدي محمد" وبعد ذلك نشأ وطلب بنفسه، وقرأ الكثير وحصَّل، وكانت معهم خِزانة الضيائية؛ فمن ثَمَّ


(١) انظر: مخطوط التبيان لبديعة البيان عن موت الأعيان لابن ناصر الدين الدمشقي (ل ٢٢٨/ أ).
(٢) انظر: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (٢/ ١٧٥).