للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما على الرسول إلا البلاغ المبين}، فكيفَ يكونُ ذنبُ أمَّتِه ذنباً له؟! هذا لا يَخْفى فسادُه على مَن له أدنى تدبُّرٍ، وإن كان قالَه طائفةٌ من المصنِّفِينَ في العصمةِ؛ حتى ترى ذلك في كتبِ بعضِ مَن له قدمُ صدقٍ من أهلِ السنةِ، لكنَّ الغُلُوَّ أوجبَ اتباعَ الجُهَّالِ الضُلَّالِ، فإن أصلَ ذلك من المبتدعينَ الغالينَ، وأوَّلُهم الرافضةُ لما ادَّعَوُا العصمةَ في عليٍّ وغيرِه - حتى من الخطأِ - احتاجوا أن يُثبِتوا ذلك للأنبياءِ بطريقِ الأَوْلى، ولما نزَّهوا عليًّا ومَن دونَه أن يكونَ له ذنبٌ يُستغفَرُ منه؛ كان تَنْزيهُهم للرسلِ أَوْلى.

وكذلك القرامطةُ لما ادَّعَوا عصمةَ أئمَّتِهم الإسماعيليةِ القرامطةِ الباطنيةِ الفلاسفةِ الدهريةِ، وعبَدوهم، واعتَقدوا فيهم الإلهيةَ، كما كانت الغاليةُ تعتقدُ في عليٍّ وغيرِه الإلهيةَ، أو النبوةَ، وكما ألزموا الدعوةَ للمُنتظَرِ، وأنه معصومٌ، وقالوا: دخَلَ في سردابِ سامراءَ سنةَ ستينَ ومائتينِ وهو طفلٌ غيرُ مُميِّزٍ، وصار مثلُ هذا يُدَّعى؛ ادَّعَاه ابنُ التُّومَرتِ (١) صاحبُ «المرشدِة» أنه المَهدِيُّ، وصار طائفةٌ من الغلاةِ في


(١) قال شيخ الإسلام في منهاج السنة ٤/ ٩٨: (أبو عبد الله محمد بن التومرت، الملقب بالمهدي، الذي ظهر بالمغرب، ولقب طائفته بالموحدين، وأحواله معروفة، كان يقول: إنه المهدي المبشر به، وكان أصحابه يخطبون له على منابرهم، فيقولون في خطبتهم: الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، الذي بشرت به في صريح وحيك، الذي اكتنفته بالنور الواضح، والعدل اللائح، الذي ملأ البرية قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا. وهذا الملقب بالمهدي ظهر سنة بضع وخمسمائة، وتوفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان ينتسب إلى أنه من ولد الحسن؛ لأنه كان أعلم بالحديث، فادعى أنه هو المبشر به، ولم يكن الأمر كذلك، ولا ملأ الأرض كلها قسطًا ولا عدلًا، بل دخل في أمور منكرة، وفعل أمورًا حسنة)، وينظر: مجموع الفتاوى ١١/ ٤٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>