للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا كانتِ التوبةُ بهذه المثابةِ، كيفَ لا يكونُ صاحِبُها معظمًا؟! وقد وُصِفَ الإنسانُ بالظلمِ والجهلِ، وجُعِل الفرقُ بينَ المؤمنِ والكافرِ والمنافقِ أن يتوبَ اللهُ عليه؛ إذ لم يكُنْ له بدٌّ من الجهلِ، فقال: {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات}، وخيرُ الخطَّائِينَ التوابونَ، وكلُّ بني آدمَ خطاؤونَ.

وقد ذكر اللهُ تعالى الذينَ وعدَهم الحُسْنى، فلم يَنْفِ عنهم الذنوبَ، فقال: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}، إلى قولِه: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا}، فذكر المغفرةَ والتكفيرَ، وقال: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}، وقال: «لن يدخُلَ أحدٌ منكم الجنةَ بعمَلِه»، قالوا: ولا أنتَ؟ قال: «ولا أنا؛ إلا أن يتَغمَّدَنيَ اللهُ برحمتِه» (١).

واعلَمْ أن كثيرًا من الناسِ يسبقُ إلى ذِهْنِه من ذِكْرِ الذنوبِ: الزنا، والسرقةُ، ونحوُ ذلكَ، فيستعظمُ أن كريمًا يفعلُ ذلك، ولا يعلمُ هذا المسكينُ أن أكثرَ عُقَلاءِ بني آدمَ لا يسرقونَ، بل ولا يزنونَ؛ حتى في جاهليَّتِهم وكفرِهم، فإن أبا بكرٍ وغيرَه كانوا قبلَ الإسلامِ لا يرضَوْنَ أن


(١) رواه البخاري (٦٤٦٣) ومسلم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>