للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينَ الضدَّين، وجعْلِ الجسمِ الواحدِ في مكانين، وقلبِ القديمِ محدَثًا، وإلا فمهما قُدِّرَ في الذِّهنِ وكان وجودُه ممكنًا؛ فاللهُ قادرٌ عليه، فليس بظلمٍ منه؛ فعَله أو لم يفعَلْه.

وتلقَّى هذا القولَ عن هؤلاء طوائفُ من أهلِ الإثبات من الفقهاءِ وأهلِ الحديثِ مِن أصحابِ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وغيرِهم، ومِن شُرَّاح الحديثِ، وفسَّروا هذا الحديثَ بما ينبني على هذا القولِ.

وربما احتجوا (١) بظواهرَ مأثورةٍ؛ كما رُوِّينا عن إياسِ بنِ معاويةَ أنه قال: ما ناظرتُ بعقلي كلِّه أحدًا إلا القدريةَ، قلتُ لهم: ما الظلمُ؟ قالوا: أن تأخذَ ما ليس لك، أو تتصرَّفَ فيما ليس لك. قلتُ: فللهِ كلُّ شيء (٢).

وليس هذا من إياسٍ إلا ليبيِّنَ أن التصرفاتِ الواقعةَ هي في ملكِه، فلا يكونُ ظلمًا بموجِبِ حدِّهم، وهذا لا تنازع بينَ أهلِ الإثباتِ فيه؛ فإنهم متفقونَ على أنَّ كلَّ ما فعله اللهُ فهو عَدْلٌ.

فرأى إياسٌ أن الجوابَ المطابِقَ لحدِّهم خاصِمٌ لهم، ولم يدخلْ معهم في التفصيلِ الذي يطولُ بالجملةِ؛ كما قال ربيعةُ لغَيلانَ حينَ قال


(١) قوله: (احتجوا) مثبتة من (ع) و (ك)، وسقطت من الأصل، وكتب في هامشها: (لعله: واستدلوا).
(٢) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (٩٤٦)، والخلال في السنة (٩٤٢)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (١٨٩٩)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>