للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له غَيلانُ: نشَدتُك اللهَ أترى اللهَ يحبُّ أن يُعصى؟ فقال: نشدْتُك اللهَ أترى اللهَ يُعصى قَسْرًا! فكأنما ألْقمه حجَرًا (١).

فإن قوله: (يحبُّ أن يعصى) لفظٌ فيه إجمالٌ، وقد لا يتأتَّى في المناظرةِ تفسيرُ المجمَلاتِ؛ خوفًا من لَدَدِ الخصمِ، فيُؤْتى بالواضحاتِ كما ألزمه بالعجزِ الذي هو لازمٌ للقدريةِ، ولمن هو شرٌّ منهم من الدَّهريةِ الفلاسفةِ وغيرِهم.

فقولُه: {فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا} قال أهلُ التفسيرِ: (لا يَخاف أن يُظْلَمَ فيُحْمَلَ عليه سيئاتُ غيرِه، ولا يُهضَمَ فيُنْقَصَ من حسناتِه) (٢).

ولا يجوزُ أن يكونَ هذا الظُّلمُ هو شيءٌ ممتنعٌ غيرُ مقدورٍ عليه، فيكونَ التقديرُ: فلا يخافُ ما هو ممتنعٌ لذاتِه، خارجٌ عن الممكِناتِ والمقدوراتِ؛ فإنَّ مثلَ هذا إذا لم يكُنْ وجودُه ممكنًا حتى يقولوا: إنه غيرُ مقدورٍ ولو أراده؛ كخَلْقِ المِثْلِ، فكيف يُعقلُ وجودُه؛ فضلًا أن يُتصوَّرَ خوفُه حتى يُنفى خوفُه؟!

ثم أيُّ فائدةٍ في نفيِ خوفِ هذا؛ وقد عُلِم من سياقِ الكلامِ أن


(١) رواه الفريابي في القدر (٣١٧)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (١٨٧٢)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (١٢٦٥).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن جرير في التفسير (١٨/ ٣٨٠) عن قتادة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>