وأما الهديةُ في الشفاعةِ؛ مثلُ: أن يشفعَ لرجلٍ عندَ وليِّ أمرٍ أن يرفعَ عنه مظلمةً، أو يوصلَ إليه حقَّه، أو يولِّيَه ولايةً يستحِقُّها، أو يستخدمَه في الجندِ المقاتلةِ وهو يستحقُّ ذلك، أو يُعطِيَه من المالِ الموقوفِ على الفقراءِ أو الفقهاءِ أو القراءِ أو النُّسَّاكِ أو غيرِهم، وهو من أهلِ الاستحقاقِ، ونحوُ هذه الاستعانةِ على فعلِ واجبٍ أو تركِ محرمٍ؛ فهذه أيضاً لا يجوزُ فيها قبولُ الهديةِ، ويجوزُ للمهدي أن يبذلَ في ذلك ما يتوصلُ به إلى أخذِ حقِّه، أو دفعِ الظلمِ عنه، هذا هو المنقولُ عن السَّلَفِ والأئمةِ الأكابرِ.
ورخَّص فيه بعضُ المتأخِّرينَ من الفقهاءِ، وجعل هذا من بابِ الجَعالةِ، وهذا مخالفٌ للسُّنَّةِ وأقوالِ الصحابةِ والأئمَّةِ؛ فهو غلَطٌ؛ لأن مثلَ هذا العملِ هو من المصالِحِ العامةِ التي يكونُ القيامُ فيها فرضًا؛ إما على الأعيانِ وإما على الكفايةِ، ومتى سُوِّغ أخذُ الجُعْلِ على مثلِ هذا؛ لزِمَ أن تكونَ الولايةُ وإعطاءُ أموالِ الفَيْءِ والصدقاتِ وغيرِها وكفُّ الظلمِ عمن يَبذُلُ في ذلك، والذي لا يَبذُلُ لا يُولَّى ولا يُعطَى، وإن كان أحقَّ وأنفعَ للمسلمِينَ من هذا.
والمنفعةُ في هذا ليست لهذا الباذلِ حتى يُؤخَذَ منه الجُعْلِ؛ كالجعلِ على الآبِقِ والشاردِ، وإنما المنفعةُ لعمومِ الناسِ؛ أعني: المسلمِينَ، فإنه يجبُ أن يُولَّى في كلِّ مرتبةٍ أصلحُ مَن يقدِرُ عليه، وأن يُرزَقَ من رزقِ المقاتلةِ والأئمَّةِ والمؤذِّنِينَ وأهلِ العلمِ والدِّين، وأهلُ العلمِ و (١) الدين