للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس بشيءٍ؛ بل يقالُ: ما قالَه رسول الله حقٌّ.

وليس في كونِ عماراً تقتُلُه الفئةُ الباغيةُ ما ينافي ما ذكَرْناه، فإن اللهَ تعالى قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قولِه: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بينَ أخويكم}، فجعَلهم معَ وجودِ الاقتتالِ والبغيِ؛ مؤمنينَ إخوةً؛ بل مع أمرِه بقتالِ الباغيةِ، وليس كلُّ مَا كان بغيًا يخرُجُ عن الإيمانِ، ولا يوجِبُ اللعنةَ، خصوصًا المتأولَ المجتهدَ؛ كأهلِ العلمِ والدينِ الذينَ اجتهدوا واعتقدوا حِلَّ أمورٍ اعتقد الآخَر تحريمَها؟! كما استحلَّ بعضُهم بعضَ أنواعِ الأشربةِ، وبعضَ المعاملاتِ الربويةِ، وعقودَ التحليلِ والمتعةِ، وأمثالُ ذلك كثيرٌ، فغايةُ المجتهدِ أن يكونَ مخطئًا مغفورًا له خطَؤُه، كما ثبَتَ في الصحيحِ أن اللهَ تعالى استجاب دعاءَ النبيِّ والمؤمنينَ في قولِه: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا … } الآيةَ (١)، وقد حكَم داودُ وسليمانُ في الحَرْثِ، وأثنى الله عليهما، وإن كان قد خصَّ أحدَهما بالعلمِ والحكمِ، والعلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا فهم أحدُهم من العلمِ ما لم يفهَمْه الآخَرُ؛ لم يكُنْ ملومًا، وإن كان لو فعله وقالَه معَ علمِه؛ يكونُ ملومًا؛ بل تحليلُ الحرامِ وتحريمُ الحلالِ كفرٌ.

والبغيُ من هذا البابِ، يكونُ الباغي مجتهدًا ومتأوِّلًا، ولم يتبيَّنْ له أنه باغٍ؛ بل يعتقدُ أنه على الحقِّ، وإذا كان كذلك لم يكُنْ تسميتُه باغيًا


(١) رواه مسلم (١٢٦)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>