للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حكمٍ، ووُجِد مشاعًا فيه؛ لم يُجعَلْ كنايةً في غيرِه؛ كلفظِ الظهارِ وغيرِه، وكانوا في الجاهليةِ يُطلِّقونَ بالظهارِ، ثم لما تظاهَرَ أَوْسٌ من زوجتِه خَوْلةَ، وسَمِع اللهُ شَكْواها؛ فأنزل سبحانه سورةَ المجادَلةِ، وجعل الظهارَ الذي كانوا يَنْوُونَ به الطلاقَ؛ منكرًا من القولِ وزورًا لا يقعُ به طلاق، وإنما فيه الكفارةُ قبلَ المسيسِ إذا عاد (١).

فمن قال: الحرامُ كذلك، قال: هو في الظهارِ، شبَّهَها بمن تحرمُ عليه على التأبيدِ، فجعل اللهُ ذلك منكرًا؛ لأنها ليست مثلَها، وهنا نطق بالتحريمِ الذي يوجبُ التشبيهَ؛ لأنهم في ذلك التحريمِ ما قصدوا التحريم المؤبدَ، إنما قصدوا الطلاقَ، وهو التحريمُ العارضُ، والزوجةُ حلالٌ، والحلال لا يكونُ حرامًا إلا بأمرِ الشارعِ، فإذا شبَّهَها بمن تحرمُ عليه، أو صرَّح بتحريمِها؛ كان قد ثبت الحكمُ دونَ سبَبِه، ومثلُ هذا ممتنعٌ، ولهذا قال ابنُ عبَّاسٍ: «تحريمُ الحلالِ؛ يمينٌ في كتابِ اللهِ تعالى»، وقرأ: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} (٢).

وقد ذهب طائفةٌ من متأخِّري أصحابِ أبي حنيفةَ والشافعيِّ: إلى أن لفظَ الحرامِ قد اشتَهَر في عُرفِ العامةِ في الطلاقِ، فجعلوه طلاقًا عندَ الإطلاقِ.

وذهب بعضُ أصحابِ مالكٍ: إلى أنه ليس الحرامُ في هذه البلادِ طلاقًا.


(١) رواه أحمد (٢٧٣١٩)، وأبو داود (٢٢١٤)، من حديث خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها.
(٢) رواه البيهقي في الكبرى (١٥٠٥٨) بمعناه، وأصله في الصحيحين كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>