للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الأولى من فوائد أبي يعلى الصابوني (١)، عن السدي في قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)[البقرة]. قال: "رب خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، فسبقت رحمتك غضبك، أرأيت إن تُبْتُ، وأَصْلَحْتُ، هَلْ أَنْتَ رَادُّنِي إلى الجنة؟ قال: نعم" (٢).

قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ()[الأعلى]. فيه الاستدلال بخلقه الحيوان المركب من بدن ونفس، وبدنُ كل حيوان مقدر بمقدار معين، وهذا التقدير هو الخلق، وهو مركب من الأجزاء الحارة والباردة والرطبة واليابسة، ويجب أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء مقدرًا بمقدار معين حتى يتولد ذلك المزاج، فإنه لو أزدادت تلك الأجزاء أو نقصت لكان الحادث مزاجًا آخر، لا ذلك المزاج، وهذا هو التسوية.

قال الرازي: "وأما الاستدلال بنفس الحيوان فهو المراد من قوله: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ ومعناه: أنه قدر لكل واحد من تلك الأعضاء المخصوصة قوةً مُختصة بذلك العضو، ثم جعل تلك القوة سببًا لاهتداء ذلك الحيوان بتلك القوة إلى تحصيل مصالحه ومنافعه مثل: أنه قدر للعين القوة الباصرة، وقدر للأذن القوة السامعة، وللمعدة القوة الهاضمة، وأما الاستدلال على الصانع بأحوال النباتات فهو قوله: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)﴾ وهو معلوم وإنما قدم الاستدلال بأحوال الحيوان على أحوال النبات؛ لأن الحيوان أشرف ولأن عجائب الأحوال في الحيوانات أكثر، فكان أولى بالتقدير، فإن قال قائل: لم لا يجوز أن قولنا مولد أبدان الحيوانات وأجرام النبات بسبب الطبيعة لا بسبب الفاعل المختار؟ قلنا: الدليل عليه هو أن جسم النطفة جسم متشابه الأجزاء متشابه الطبيعة، وتأثير طبيعة الرحم تأثير متشابه، وتأثير الطبائع والأفلاك والأنجم فيه تشابه،


(١) الشيخ المسند العالم أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري، الصابوني، أخو شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، صاحب الأجزاء الفوائد العشرة، توفي سنة ٤٥٥ هـ. انظر: تاريخ ابن عساكر (٨/ ٢٥٧) السير للذهبي (١٨/ ٧٥) والتاريخ له (١٠/ ٥٧).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره (رقم ١٨٦): عن الحسن بن يزيد الأصم، عن السدي قوله. وسنده صحيح.
تابعه: أسباط، عن السدي به نحوه. عند الطبري (١/ ٥٨٢).
وروي من طريق: الحسن بن عطية، ثنا الحسن بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله نحوه. أخرجه الحاكم (رقم ٤٠٠٢) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
قال ابن كثير في تفسيره (١/ ٢٣٩): وهكذا رواه العوفي، وسعيد بن جبير، وسعيد بن معبد، عن ابن عباس، بنحوه، وهكذا فسره السدي وعطية العوفي.