للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجسم المتشابه إذا أثرت مؤثرات كثيرة في جملة ذلك الجسم تأثيرًا متشابهًا فيستحيل أن يتولد منه أحوال مختلفة، ألا ترى أنه إذا وضع الشمع فكلما مضى خمسة أذرع من أحد الجوانب وجب أن يُضيء سائر الجوانب بهذا المقدار؟ فإما أن يُضيء من أحد الجوانب خمسة أذرع ولا يُضيء من الجوانب الأخر إلا نصف ذراع من غير حائل ولا مانع، فهذا غير معقول، فثبت أن المؤثرات الطبيعية يجب أن يكون تأثيراتها في ثيران متشابهة، فلما رأينا أنه تولدت من بعض أجزاء تلك النطفة المتشابهة العظام، ومن أجزاء أُخر منها اللحوم، ومن أجزاء أُخر منها الأعصاب والعروق والرطوبات، علمنا أن ذلك التأثير ليس مؤثرًا بالطبع والإيجاب، بل بالقدرة والاختيار" (١).

نقلت هذا من كلام أبي عبد اللَّه الرازي.

قال أبو سهل المسيحي (٢) في الكتاب الثالث من المائة: "العظام مائتان وستة وأربعون عَظمًا".

قال أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب في كتاب تفصيل النشأتين: "فقد ذكر بعض الحكماء في بدن الإنسان أربعة آلاف حكمة، وفي نفسه قريبًا من ذلك" (٣).

وقال: "قالوا: فالإنسان هو الحيوان الناطق، ولم يعنوا بالناطق اللفظ المعبر به فقط، بل عنوا به المعاني المختصة بالإنسان فعبروا عن كل ذلك بالنطق فقد يعبر عن جملة الشيء بأخص ما فيه" (٤).

للأطباء خمسة أقاويل في الشيء الذي يكون منه الجنين والذي له تأثير في كونه:

أحدها: أنه النطفة للرجل وحده، ولا نطفة للمرأة، وأن مادة كون الجنين دم الطمث، والسبب المؤثر فيها نطفة الرجل، ومن بعد تأثيرها تبطل بأن تتحلل داخله وتصير ريحًا قاله أرسطوطاليس (٥).

الثاني: مثل هذا إلا أن بطلان النطفة بأن تخرج وتنزل من الرحم فتسقط، قاله بعض أتباع أرسطو.


(١) هذا النقل عن الرازي لم أجده لا في تفسيره ولا أسرار القرآن ولا عجائب القرآن، فلعله في كتاب آخر.
(٢) أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني طبيب فاضل بارع في صناعة الطب علمها وعملها فصيح العبارة جيد التصنيف وكان حسن الخط متقنا للعربية، وقد رأيت بخطه كتابه في أظهار حكمة اللَّه تعالى في خلق الإنسان وهو في نهاية الصحة والإتقان والإعراب والضبط، وهذا الكتاب من أجل كتبه وأنفعها، وله كتاب المائة في الطب وهو من أجود كتبه وأشهرها، توفي وعمره ٤٠ سنة. انظر: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة (ص ٤٣٦).
(٣) انظر: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين للراغب الأصفهاني (ص ٢٩).
(٤) انظر: نفس المصدر (ص ٣٥).
(٥) أرسطو سبق التعريف به (ص ٥٧٥).