للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ».

[٧٧٢] قال أبو بكر محمد بن الطَّيِّبِ بن البَاقِلَّانِيِّ (١) في كتاب "جوابات أهل طبرستان" (٢) وسأل الأشعري (٣) نفسه في كتاب "زيادات نوادر الكلام ودقائقه" (٤) عن ما يُكَفَّرُ به المتأوِّلون من الضلالات وما لا يُكَفَّرُونَ بِهِ، بل يُفسَّقون ويُضلَّلون؟ فقال: إن سأل سائل وقال: ما قولكم فيمن قال "إن القرآن مخلوق"؟ هل يصح مع قوله هذا أنه يعرف الله أم لا؟ ثم قال: قيل له: لا يَعرفُ اللهَ سبحانه من قال بخلقِ كلامهِ، بل هو كافرٌ مُنسلخٌ من الإيمان.

ثم قال: فإن قيل: وما الدليل على ذلك؟ قيل له: الدليل عليه أنه إذا اعتقد في الله أن كلامه مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ لَزِمَهُ أن يكون قبل خلقه وإحداثه غير قائل ولا متكلم، ولزمه بقوله هذا: أن يكون - تعالى عن قوله - أَخْرَسَ أو ساكتاً وَمَأْوُوفاً (٥) بِآفَةٍ تمنعه من الكلام؛ لأن الحَيَّ إذا لم يكن متكلماً فلابد من أن يكون مَأْوُوفاً بِآفَةٍ تمنعه من كونه متكلماً إما خَرَسٌ أو سكوتٌ، وقد أجمعت الأمة على إكفار من ارتكب القول بأنه أَخْرَسُ أَوْ ساكت أو مَأْوُوفٌ، ولا فرق بين أن يصرح القائل بخلق القرآن بذلك، وبين أن يقول قولًا يلزمه عليه ما لو قاله


(١) الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَوْحَدُ الْمُتَكَلِّمِيْن، مُقَدَّم الأُصُوْلِيين، القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الطَّيِّب بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ قَاسِم البَصْرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، كَانَ يُضَرَبُ الْمَثَلُ بِفَهْمِهِ وَذَكَائِه، وَكَانَ ثِقَةً إِمَاماً بَارِعاً، صَنَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالخَوَارِجِ وَالجَهْمِيَّة وَالكَرَّامِيَّة، وَانْتَصَرَ لِطَرِيْقَةِ أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ فِي مَضَائِق، فَإِنَّهُ مِنْ نُظَرَائِهِ، وَقَدْ أَخَذَ عِلْمَ النَّظَر عَنْ أَصْحَابه، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهِ عَلَى السُّنَّة، توفي سنة (٤٠٣ هـ). سير أعلام النبلاء (١٧/ ١٩٠).
(٢) لم أجد من ذَكَرَهُ.
(٣) هو أبو الحسن الأشعري .
(٤) لم أجد من ذَكَرَهُ، وكما يظهر من اسمه أنه زيادات ألحقها بكتابه (النَّوَادر فِي دقَائِق الكَلَام)، وهذه النوادر ذكرها أبو الحسن الأشعري ضمن مصنفاته التي سَرَدَهَا في كتابه (العُمَد فِي الرُّؤْيَة). انظر: سير أعلام النبلاء (١٥/ ٨٧، ٨٨).
(٥) مَأْوُوف: أي مُصَابٌ بِآفَةٍ. والآفةُ: العَاهَةُ، وقيل: عَرَضٌ مُفْسِدٌ لِمَا أَصاب مِنْ شَيْءٍ. لسان العرب (٩/ ١٦) مادَّةُ: أوف.