للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باللَّه أبي العباس أحمد (١) لم يكن له من الخلافة إلا الاسم، وكان المماليك الأتراك مستولين على المُلْك، وكان الأمر جميعه لكبِيرَي الأتراك وَصِيف (٢) وبُغَا (٣) التُّركيِّين حتى قيل في ذلك:

خَلِيفَةٌ فِي قَفَصٍ … بيْنَ وَصيفٍ وبُغَا

يَقُولُ ما قَالَا لهُ … كما تقُولُ البَبَّغا (٤)

ولما خُلع الخليفة المستعين باللَّه، قال بعض الشعراء أبياتًا يصف ما آلت إليه تلك الأحوال:

خُلعَ الْخَلِيفَةُ أحمدُ بنُ محمدٍ … وسيُقتلُ التَّالي لهُ أو يُخلَعُ

ويزولُ مُلْكُ بني أبيهِ ولا يُرى … أحدٌ تمَلَّكَ مِنهمُ يَستَمْتِعُ

إيهًا بني العباسِ إن سبيلَكُم … في قتلِ أعبُدكم طَريقٌ مَهْيَعُ

رَقَّعتُمُ دُنياكُمُ قتُمزَّقَتْ … بكمُ الحياةُ تَمزُّقًا لا يُرقَعُ (٥)

ونتيجة لهذه الفوضى قام الخليفة الراضي باللَّه أبو العباس محمد (٦) بإنشاءِ منصب "أمير الأمراء"؛ وذلك بقصد إنقاذ الخلافة العباسية من التدهور والضعف، وإعادة الهيبة والقوة لها، والحد من تسلط الأتراك، وأعطى صاحب هذا المنصب الصلاحيات الواسعة سواءً كانت إداريةً أو عسكريةً أو ماليةً.


(١) أحمد بن محمد بن المعتصم باللَّه، وكنيته أبو العباس، ولي إلى أن خلع بسر من رأى بعد دخوله بغداد، وذلك لثلاث عشرة خلت من المحرم سنتين وتسعة أشهر وتسعة أيام، ومات بالقادسية، وكان عمره أربعة وعشرين سنة. انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (٦/ ٢٥٥).
(٢) وَصيف التركي القائد، من كبار الأمراء، استولى على المعتز واحتجر عليه، واصطفى لنفسه الأموال والذخائر، خرج في طائفة يسيرة إلى الخليفة فوثبوا عليه فقتلوه بالدبابيس، وقطعوا رأسه، ونصبوا الرأس على رمح، قُتل وصيف في سنة ٢٥٣ هـ، قبل بغا بيسير، وكانا الفاتقة والراتقة زمن المتوكل، والمستعين، والمعتز. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٦/ ٢٢٦).
(٣) بُغا الصغير الشّرابيّ، وكان قد تمرّد وطغى، وراح نظيره وصيف، فتفرد واستبد بالأمور، وكان المعتز باللَّه يقول: لا أستلذ بحياة ما بقي بغا، ثم إن بُغا وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار، وتمرد فُقتل بعد ذلك سنة ٢٥٤ هـ. انظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي (٣/ ٢٤٢).
(٤) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٦/ ٥٧) والوافي بالوفيات للصفدي (١٠/ ١١٠) وسط النجوم للعصامي (٣/ ٤٧٣).
(٥) انظر: تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري (٩/ ٣٥٠).
(٦) الراضي باللَّه أبي العباس محمد بن المقتدر، كانت مده خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام، توفي سنة ٣٢١ هـ. انظر: صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي (١١/ ٢٨٤).