للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن الإصلاح عبر هذا المنصب لم يدم إلا اثنتي عشرة سنة، فكان بعد ذلك سببًا لظهور التنافس الشرس من قِبل الأمراء الأتراك على هذا المنصب، فتمكن بعضهم بسببه من الاستيلاء على بغداد وأصبح بيدهم تولية الخليفة وعزله.

وحصل بسببه الاضطراب السياسي، وضعفت نتيجة لذلك كلِّهِ سلطة الخليفة، بحيث أصبح مجردًا من صلاحياته ولم يبق له من الخلافة إلا اسمها.

واستمر هذا الحال إلى خلافة المستكفي باللَّه (١)، حيث دخل بنو بويه (٢) بغداد في سنة ٣٣٤ هـ بقيادة أبي الحسين أحمد بن بويه، مع أخَويه أبي الحسن على بن بويه، وأبي على الحسن بن بويه، "ووقف أحمد بن بويه بين يدي الخليفة طويلًا وأخذت عليه البيعة للمستكفي باللَّه واستحلف له بأغلظ الأيمان، ووقعت الشهادة على المستكفي باللَّه وعلى الأمير أبي الحسين، ثم ليس الأمير الخلع ولُقِّبَ بـ "معز الدولة" ولُقِّبَ أخوه أبو الحسن على بن بويه بـ "عماد الدولة" وأخوه أبو علي الحسن بن بويه بـ "ركن الدولة" وأمر أن تُضرب ألقابُهم وكُناهم على الدنانير والدراهم وانصرف بالخلع إلى دار مؤنس، ونزل الديلم والجيل والأتراك دور الناس فلحق الناس من ذلك شدة عظيمة وصار رسمًا عليهم إلى اليوم" (٣).

لم يدم الأمر طويلًا فلقد قُبض على الخليفة المستكفي باللَّه من على كرسيه واقتيد وخُلع، ومن حينئذ خضعت الخلافة العباسية للبويهيين خضوعًا تامًا مدة مائةٍ وسبعةٍ وعشرين سنة (٤).

وكان آخر أمرائهم أبو نصر "الملك الرحيم" خسرو فيروز بن عماد الدين مرزبان، حيث خُلع سنة ٤٤٧ هـ، وبعد ذلك سُجن ومات مسجونًا (٥).

وفي تلك السنة دخل السلاجقة بغداد بقيادة طغرلبك السلجوقي وقضوا على نفوذ البويهيين وأعادوا للخلافة العباسية هيبتها.


(١) المستكفي عبد اللَّه بن على المكتفي، ويكنى أبا القاسم، وأمه أم ولد رومية تسمى غصن، ولي الخلافة، وسنه يومئذ إحدى وأربعون سنة وسبعة أيام، وكان في سن المنصور يوم ولي، وكانت خلافته سنة واحدة وأربعة أشهر، وسُملت عيناه، وله ثمان، وقيل ثلاث وأربعون سنة وأشهر. انظر: التنبيه والإشراف للمسعودي (١/ ٣٤٥).
(٢) دولة رافضية أعجمية انتشرت بسببها البدع والمحدثات في بلاد العراق. انظر: صفحة (٤٧) من هذا البحث.
(٣) انظر: تجارب الأمم وتعاقب الهمم لابن مسكويه (٥/ ٢٧٥) باختصار وتصرف.
(٤) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (٩/ ٦١٣).
(٥) انظر: تاريخ ابن الوردي لابن الوردي (١/ ٣٤٤ و ٣٥٣).