للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن القلانسي:"ولم يزل الأمر على ذلك مستمرًا إلى أن ظهر أمر السلطان ركن الدنيا والدين طغرلبك محمد بن ميكان بن سلجوق (١) وقويت شوكة الترك وانخفضت الدولة البويهية واضمحلت وانقرضت" (٢). وكان دخوله بغداد بسبب مكاتبة الخليفة له واستدعاءه لكف شر البويهيين ووزرائهم (٣).

قال الذهبي: "ومَلَكَ طغرلبك العراق، وقمع الرافضة، وزال به شعارهم، وكان عادلًا في الجملة، حليمًا كريمًا محافظًا على الصلوات، يصوم الاثنين والخميس، ويعمر المساجد" (٤).

وبهذا يكون قد بدأ عصرٌ جديدٌ من عصور الدولة العباسية حكم فيه السلاجقة العراق وتوسعوا شرقًا وغربًا، واستمرت دولتهم قرنًا ونصف القرن، وسقطت مع سقوط الخلافة العباسية على يد المغول، حيث بدأ اجتياح المغول للبلدان الإسلامية سنة ٦١٧ هـ، فدخلوا بلاد ما وراء النهر خراسان (٥) فدمروها وأفسدوا فيها، وأحرقوا مساجدها وقتلوا كثيرًا من علمائها وأهلها وأتلفوا الكتب، فلم يسلم إلا القليل من الناس (٦).

وقال ابن الأثير: "لقد بقيتُ عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيًا، إلا أنني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم من خلق اللَّه آدم إلى الآن، لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقا، فإن التواريخ


(١) السلطان طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق السلطان الكبير ركن الدين أبو طالب طغرلبك أول ملوك السلجوقية أصلهم من بر سنجار وهم قوم لهم عدد وقوة كانوا لا يدخلون تحت طاعة السلطان وإذا قصدهم من لا طاقة لهم به دخلوا المفاوز. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (٥/ ٧٠).
(٢) انظر: تاريخ دمشق لابن القلانسي (ص ٤٤٢).
(٣) انظر: العِبر في خبر من غبر للذهبي (٢/ ٢٨٩).
(٤) انظر: المصدر السابق (٢/ ٣٠٤).
(٥) بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق ازاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وتشتمل على أمهات من البلاد منها نيسابور وهراة ومرو، وهي كانت قصبتها، وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون. معجم البلدان لياقوت بن عبد اللَّه الرومي الحموي (٢/ ٣٥٠).
(٦) انظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري (١/ ٥٨٣).