للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ الجَمَّالُ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَجِيبٌ، وَرَاوِيه مَرَّةً رَوَى: بِأَنَّ اللهَ خَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَهُوَ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٌ (١)، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الخَمِيسِ. وَمَرَّةً رَوَى مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ عَالٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ، طَرِيقُهُ عَجِيبٌ مَلِحٌ. وَاللُّغُوبُ - فِيمَا ذَكَرَ مُجَاهِدٌ -: الكَلَالُ وَالتَّعَبُ. وقال سعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الفَتْرَةُ وَالضَّعْفُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: التَّقْصِيرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ: اللُّغُوبُ: العَجْزُ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: اللُّغُوبُ: الحَاجَةُ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الاسْتِعَانَةُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: اللُّغُوبُ: التَّفَاوُتُ فِي الشَّيْءِ (٢).


(١) يحرم التشاؤم بالأيَّام، وهو من الطَّيِرَةِ المنهيِّ عنها. أخرج الترمذي (٣٩١٠) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» - ثَلَاثًا -، وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ. صححه الألباني.
وحديث الباب - مع كونه موضوعاً - يدلُّ على أنَّ التشاؤم بيوم الأربعاء مقتبس من الإسرائيليات، والله أعلم.
وفي الباب أخبار وأحاديث تَصِفُ يوم الأربعاء بالنَّحْسِ، ولا يصح منها شيء، كالذي أورده السيوطي في اللآلئ المصنوعة (١/ ٤٤١) عَن جَابِر مَرْفُوعًا: «يَوْمُ الْأَرْبَعَاء: يَوْم نَحْسٍ مُسْتَمِرّ». وعن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعًا: «آخر أربعاء فِي الشَّهْر: يَوْم نَحس مُسْتَمر».

قال ابن القيم : وَأما وَصفه تَعَالَى بعض الْأَيَّام بِأَنَّهَا أَيَّامُ نَحْسٍ كَقَوْلِه: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت: ١٦]، فَلَا ريب أَن الْأَيَّام الَّتِي أَوْقَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا الْعقُوبَةَ بأعدائه وأعداء رسله كَانَت أَيَّامًا نَحِسَاتٍ عَلَيْهِم؛ لِأَنَّ النحس أَصَابَهُم فِيهَا، وَإِن كَانَت أَيَّام خير لأوليائه الْمُؤمنِينَ فَهِيَ نَحْسٌ على المكذبين سَعْدٌ الْمُؤمنِينَ، وَهَذَا كَيَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّهُ عَسِيرٌ على الْكَافرين يَوْمُ نَحْسٍ لَهُم، يَسِيرٌ على الْمُؤمنِينَ يَوْمُ سَعْدٍ لَهُم … وَكَذَلِكَ قَوْله ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [القمر: ١٩] وَكَانَ الْيَوْمُ نَحْساً عَلَيْهِم لإرسالِ الْعَذَاب عَلَيْهِم، أَي لَا يقْلع عَنْهُم كَمَا تقلع مصائب الدُّنْيَا عَن أَهلهَا، بل هَذَا النحس دَائِم على هَؤُلَاءِ المكذبين للرسل، وَ (مُستمر): صفةٌ للنحس لَا لليوم، وَمَنْ ظَنَّ أَنه صفةٌ لليوم، وأنه كَانَ "يَوْمُ أربعاء آخر الشَّهْر"، وَأَنَّ هَذَا الْيَوْم نحس أبداً: فقد غلط وأخطأ فهْم الْقُرْآنِ؛ فإنَّ الْيَوْمَ الْمَذْكُور بِحَسب مَا يَقع فِيهِ، وَكَمْ للهِ مِنْ نِعْمَةٍ على أوليائه فِي هَذَا الْيَوْم وإن كَانَ لَهُ فِيهِ بلايا ونِقَمٌ على أعدائه كَمَا يَقع ذَلِك فِي غَيره من الْأَيَّام، فَسُعُودُ الْأَيَّام ونُحُوسُهَا إِنَّمَا هُوَ بِسُعُودِ الْأَعْمَالِ وموافقتها لمرضاةِ الرب، وَنُحُوسُ الْأَعْمَالِ مُخَالَفَتُهَا لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ يكون يَوْمَ سَعْدٍ لطائفةٍ وَنَحْسٍ لطائفةٍ كَمَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ سَعْدٍ للْمُؤْمِنين وَيَوْمَ نَحْسٍ عَلَى الْكَافرين. مفتاح دار السعادة (٢/ ١٩٤).
(٢) وضع المصنف هنا علامة انتهاء النص؛ للدلالة على انتهاء النقل عن ابْنِ فَضْلَوَيْهِ الْجَمَّالِ.