للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩ - أن نهاية كلامهم في نفي التركيب هو التناقض فلا أثبتوا وجود اللَّه به، ولا نفوا عنه تعالى المثل والشريك. فيلزمهم كما قال ابن تيمية: "إما لزوم التركيب، وإما بطلان توحيدهم، وأيهما كان لازمًا لزم الآخر؛ فإنه إذا لزم التركيب بطل توحيدهم، وإذا بطل توحيدهم أمكن تعدد الواجب وهذا يبطل امتناع التركيب، ولا ريب أن أصل كلامهم، بل وكلام نفاة العلو والصفات، مبني على إبطال التركيب وإثبات بسيط كلي مطلق مثل الكليات، وهذا الذي يثبتونه لا يوجد إلا في الأذهان، والذي أبطلوه هو لازم لكل الأعيان، فأثبتوا ممتنع الوجود في الخارج، وأبطلوا واجب الوجود في الخارج" (١).

الرد عليهم في قولهم: بأنه تعالى في كل مكان.

أن هذه النصوص التي تحتجون بها هي حجة عليكم لا لكم، لما يلي:

١ - أن كلمة "مع" في اللغة إذا أطلقت، فليس في ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين وشمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو النجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك، فاللَّه مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة (٢).

فلفظ "مع" لا تقتضي في لغة العرب أن يكون أحد الشيئين مختلطا بالآخر، كقوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]، وقوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ [الفتح: ٢٩]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥] (٣).

وإذا كان لفظ "مع" إذا استعملت في كون المخلوق مع المخلوق لم تدل على اختلاط ذاته بذاته؛ فهي أن لا تدل على ذلك في حق الخالق بطريق الأولى (٤).

٢ - لفظ "المعية" قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر، فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٤/ ٢٥٣) باختصار.
(٢) انظر: الفتوى الحموية لابن تيمية (ص ٥٢١).
(٣) انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (ص ١٢١ - ١٢٢).
(٤) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٨/ ٣٧٧).