للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٢٣٠] قَالَ خُشَيْشٌ: «وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ ﷿ يَنْزِلُ كَيْفَ شَاءَ: صُعُودُهُ إِلَى السَّمَاءِ وَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى العَرْشِ، فَإِنْ زَعَمَتِ الجَهْمِيَّةُ: "فَمَنْ يَخْلِفُهُ إِذَا نَزَلَ؟ "، قِيلَ لَهُمْ: فَمَنْ يَخْلِفُهُ فِي الأَرْضِ حِينَ صَعِدَ؟ عِلْمُهُ بِمَا فِي الأَرْضِ كَعِلْمِهِ بِمَا فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاءِ كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الأَرْضِ، سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: قَوْلُ اللهِ ﷿: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة: ٢١٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الكهف: ٤٨]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ [الأحقاف: ٣٤]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢٢]».

قَالَ خُشَيْشٌ: «وَإِنَّمَا سُمُّوا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ: لِقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ ﷿ دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا تَحَيَّرَتِ الجَهْمِيَّةُ وَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ حِينَ قَالُوا: "إِنَّ اللهَ لَا يَخْلُوا مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهِ"، فَأَسْرَعَ إِلَى الجُهَّالِ قَوْلُهُمْ.

وَكَذَلِكَ قَالَ اللهُ ﷿، وَلَكِنْ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الخَلْقِ فِي نُزُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ يَصْعَدُ مِنْ مَكَانِ وَمَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ غَيْرِهِ إِلَّا وَهُوَ زَائِلٌ عَنْ مَوْضِعِهِ وَمَكَانِهِ الأَوَّلِ بِنَفْسِهِ، وَعِلْمُهُ بِجَهْلِهِ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ عَلَى مَكَانِهِ وَمَوْضِعِهِ الأَوَّلِ، وَإِنَّ اللهَ ﷿ إِذَا اسْتَوَى مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ نَزَلَ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ أَوْ إِلَى أَرْضٍ: لَمْ يَعْزُبْ (١) عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ، عِلْمُهُ بِمَا فِيهِنَّ بَعْدَ الاسْتِوَاءِ وَبَعْدَ (الزَّوَالِ) (٢) كَعِلْمِهِ بِهِنَّ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يُنْقِصِ الاسْتِوَاءُ مِنْ عِلْمِهِ، وَلَا زَادَهُ تَرْكُهُ فِي عِلْمِهِ، ( ........ ) (٣) فَلَيْسَ بَزَايِلٍ (٤)


(١) يَعْزُب، بضم الزاي وكسرها: يَغِيب. تاج العروس (٣/ ٣٦٢) مادَّة: عزب.
(٢) (الزَّوَال) كذا في الأصل، وهي سبق قلم، إنما أراد: "النُّزُول". وذكرنا في منهج التحقيق أنَّ المصنف ينقل الكلام بنصه لا يصحح التصحيفات لأمانته العلمية، أو أنها تصحيف من المصنِّف نفسه والله أعلم.
(٣) ترك المصنِّفُ فراغاً بمقدار ثلاث كلمات.
(٤) التَّزَايُلُ: التَّبَايُنُ وَالتَّفَرُّقُ وَالتَّمَيُّزُ، زَالَ الشَّيْءُ يَزِيلُ زَيْلاً، وَزِلْتُ الشَّيْءَ، فَأنَا أَزِيلُهُ، إِذا فَرَّقْتَ ذَا مِن ذَا. تاج العروس (٢٩/ ١٥٤) مادَّة: ز ي ل.
والمراد: أن عِلْمَ اللهِ ليس بمنعزل عن خلقه، ولا خلقه بمنعزلين عن عِلْمِهِ .